وقيل : قالوا : إن كان محمد صادقا ، فليصبح عند رأس كلّ رجل منا صحيفة فيها براءة من النار(١) .
﴿كَلَّا﴾ لم يقولوا هذه الكلمات ، ولم يقترحوا تلك الآيات لرفع الشّبهة ﴿بَلْ﴾ للعناد واللّجاج ﴿لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ﴾ وشدائدها ، لأنّهم ينكرونها ويستغرقون في حبّ الدنيا وشهواتها ﴿كَلَّا﴾ ليس لأحد أن يعرض عن القرآن حيث ﴿إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ﴾ بليغة كافية ، وموعظة شافية لأهل العالم ﴿فَمَنْ شاءَ﴾ الذّكر والعظة ﴿ذَكَرَهُ﴾ واتّعظ به ، وجاز به خير الدارين.
وقيل : إنّ الضمير في ﴿إِنَّهُ﴾ و﴿ذَكَرَهُ﴾ راجع إى التذكره في قوله : ﴿فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ﴾ لأنّها في معنى الذّكر والقرآن (٢) .
﴿وَما يَذْكُرُونَ﴾ ولا يتّعظون ولا يهتدون به ﴿إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ﴾ تذكّرهم واتّعاظهم ، أو هدايتهم به ، وفيه دلالة على أنّه بمشية الله وإرادته العبد ، لأنّه لا جبر ولا تفويض بل أمر بين الأمرين ، كما حقّقناه في أوائل البقرة.
ثمّ وصف سبحانه ذاته المقدّسة بما يوجب الخوف والرجاء بقوله : ﴿هُوَ﴾ تعالى ﴿أَهْلُ التَّقْوى﴾ وحقيق بأن يخاف منه ومن عقابه على ترك الايمان وطاعته ، لأنّه ذو انتقام وشديد العقاب ﴿وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ﴾ وحقيق بأن يغفر لمن آمن به وأطاعه.
عن الصادق عليهالسلام في هذه الآية قال : « قال الله تبارك وتعالى : أنا أهل أن أتّقى ولا يشرك بي عبدي شيئا ، وأنا أهل إن لم يشرك بي عبدي شيئا أن أدخله الجنّة » .
وقال عليهالسلام : « [ إن الله تبارك وتعالى ] أقسم بعزته وجلاله أن لا يعذّب أهل توحيده بالنار أبدا» (٣) .
عن الباقر عليهالسلام : « من قرأ في الفريضة سورة المدّثر ، كان حقا على الله عزوجل أن يجعله مع محمد صلىاللهعليهوآله في درجته ، ولا يدركه في الحياة الدنيا شقاء أبدا إن شاء الله تعالى » (٤) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٢.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢١٣ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٤٢.
(٣) التوحيد : ٢٠ / ٦ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٢.
(٤) ثواب الأعمال : ١٢٠ ، مجمع البيان ١٠ : ٧٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٢.