ثمّ لمّا حكى سبحانه في أول السورة إنكار المشركين البعث في الآخرة بقوله : ﴿أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ﴾(١) استدلّ هنا على وجوب البعث بقوله : ﴿أَيَحْسَبُ﴾ ويتوهّم ﴿الْإِنْسانُ﴾ العاقل ﴿أَنْ يُتْرَكَ﴾ من قبل الله ﴿سُدىً﴾ ومهملا لا يكلّف في الدنيا ولا يحاسب بعمله في الآخرة ؟ حاشا وكلّا كيف يمكن ذلك مع أنّه تعالى أعطاه القدرة وآلات الأعمال والعقل ، وذلك مقتض لنهيه عن القبائح وأمره بالمحسنات ، وإلّا يكون هذا الخلق الكامل عبثا ، ويكون راضيا بوقوع القبائح منه ، وذلك مناف للحكمة البالغة ، ولو كان التكليف ولم تكن دار الجزاء لزم تساوي المطيع والعاصي ، وذلك باطل بالبداهة ، وإن كان إنكارهم من جهة عدم قدرة الله على الخلق ثانيا فنقول : ﴿أَلَمْ يَكُ﴾ ذلك الانسان قبل خلقه الأول ﴿نُطْفَةً﴾ قدرة وماء قليلا ﴿مِنْ مَنِيٍ﴾ متكوّن في صلب الرجل ﴿يُمْنى﴾ ويصبّ من مخرج بوله في رحم انثى ﴿ثُمَ﴾ بعد انصبابه في الرّحم ﴿كانَ﴾ ذلك المنيّ ، أو ذلك الانسان ﴿عَلَقَةً﴾ وقطعة دم ﴿فَخَلَقَ﴾ الله وقدّره ﴿فَسَوَّى﴾ خلقه وعدّل قامته وأعضاءه وأكمل نشأته.
عن ابن عباس : ﴿فَخَلَقَ﴾ أي نفخ فيه الروح ﴿فَسَوَّى﴾ أي فكمّل أعضاءه (٢) .
﴿فَجَعَلَ﴾ وخلق ﴿مِنْهُ﴾ بقدرته ﴿الزَّوْجَيْنِ﴾ والصنفين من الانسان ، أعنى ﴿الذَّكَرَ وَالْأُنْثى﴾ مع اختلافهما في الطبيعة والأخلاق ﴿أَلَيْسَ﴾ أيّها الشاعر ﴿ذلِكَ﴾ الخالق العظيم الذي خلق أولا هذا الخلق البديع بلا مثال من ماء ﴿بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى﴾ ويخلقهم ثانيا من تراب ، مع أنّ الخلق الثاني في نظر العقل أهون وأسهل من الأول.
روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله كان إذا قرأها قال : « سبحانك اللهم بلى » (٣) .
وعن ( المجمع ) أنّه روي عن الباقر والصادق عليهماالسلام (٤) .
وعن ابن عباس من قرأها فليقل : سبحانك اللهم بلى ، إماما كان أو مأموما (٥) .
وفي رواية : كان النبي صلىاللهعليهوآله يقول : « بلى والله ، بلى والله » (٦) .
عن الباقر عليهالسلام : « من أدمن قراءة ﴿لا أُقْسِمُ﴾ وكان يعمل بها بعثه الله مع رسول الله صلىاللهعليهوآله من قبره في أحسن صورة ، ويبشّره ويضحك في وجهه حتّى يجوز على الصراط والميزان » (٧) .
وفّقنا الله وجميع المؤمنين لإدمان تلاوتها ، والحمد لله تبارك وتعالى على التوفيق لإتمام تفسيرها.
__________________
(١) القيامة : ٧٥ / ٣.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٣٤.
(٣) تفسير الرازي ١٠ : ٢٥٨ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٥٨.
(٤) مجمع البيان ١٠ : ٦٠٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٨.
(٥) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٥٨.
(٦) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٥٨.
(٧) ثواب الاعمال : ١٢١ ، مجمع البيان ١٠ : ٥٩٤ ، عن الصادق عليهالسلام ، تفسير الصافي ٥ : ٢٥٨.