[ القول بأنّ ] تخصيصها ينافي نظم الآيات من الأغلاط ، فانّ نزول آية في حقّ أحد لا يستلزم تخصيص عمومها ، فانّ نزول آية : ﴿إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ في شأن الوليد (١) ، وآية : ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً﴾ في حقّ علي عليهالسلام وإنفاقه (٢) . ونزول آية ﴿إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ في البراء بن عازب واستنجائه بالماء وتهنيته الرسول صلىاللهعليهوآله بنزول الآية فيه (٣). نزول آية ﴿مَنْ كَفَرَ بِاللهِ مِنْ بَعْدِ إِيمانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ﴾ في شأن عمّار بن ياسر (٤) ، لا يوجب تخصيص عموم الآيات ، بل معناه أنّ فعل أحد صار منشأ لنزول الآية ، وكان النظر في الآية إلى ذلك الشخص تفصيلا - وإن كان الحكم في الآية شاملا لغيره إلى يوم القيامة - يدلّ على فضيلة عظيمة لذاك الشخص ، كما ادّعوا نزول آية ﴿وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكَّى﴾ في حقّ أبي بكر وإنفاقه على المسلمين ويعدّونه من فضائله (٥) .
وروى في ( المجالس ) عن الصادق عليهالسلام ما يقرب من رواية عبد الله بن عباس ، وفي آخره : فهبط جبرئيل فقال : يا محمد ، خذ ما هنّأه الله لك (٦) في أهل بيتك. فقال : ما آخذ يا جبرئيل ؟ فقال : ﴿هَلْ أَتى﴾ إلى قوله : ﴿وَكانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً﴾(٧) .
وعن ( المناقب ) أنّه رواه عن أكثر من عشرين من كبار المفسّرين (٨) .
وفي بعض الروايات عن الباقر عليهالسلام : فرآهم النبي صلىاللهعليهوآله جياعا ، فنزل جبرئيل ومعه صحفة من الذهب مرصّعة بالدّرّ والياقوت ، مملؤة من الثريد ، وعراق (٩) يفوح منها رائحة المسك والكافور ، فجلسوا وأكلوا حتى شبعوا ، ولم تنقص منها لقمة واحد ، فخرج الحسين عليهالسلام ومعه قطعة عراق ، فنادته يهودية : يا أهل بيت الجود - أو الجوع - من أين لكم هذه ! أطعمنيها ، فمدّ يده الحسين عليهالسلام ليطعمها ، فهبط جبرئيل وأخذها من يده ، ورفع الصّحفة إلى السماء ، فقال عليهالسلام ، لو لا ما أراد الحسين عليهالسلام من إطعام الجارية تلك القطعة لتركت تلك الصّحفة في أهل بيتي يأكلون منها إلى يوم القيامة ، وكانت الصدقة في ليلة خمس وعشرين من ذي الحجّة ، ونزول ﴿هَلْ أَتى﴾ في يوم الخامس
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ : ١١٩ ، تفسير أبي السعود ٨ : ١١٨ ، والآية من سورة الحجرات : ٤٩ / ٦.
(٢) تفسير الرازي ٧ : ٨٣ ، تفسير أبي السعود ١ : ٢٦٥ ، والآية من سورة البقرة : ٢ / ٢٧٤.
(٣) من لا يحضره الفقيه ١ : ٢٠ / ٥٩ ، الخصال : ١٩٢ / ٢٦٧ ، وفيهما : البراء بن معرور ، والآية من سورة البقرة : ٢ / ٢٢٢.
(٤) تفسير أبي السعود ٥ : ١٤٣ ، تفسير روح البيان ٥ : ٨٤ ، والآية من سورة النحل : ١٦ / ١٠٦.
(٥) تفسير أبي السعود ٩ : ١٦٨ ، والآيتان من سورة الليل : ٩٢ / ١٧ و١٨.
(٦) في المصدر : ما هيّأ الله لك.
(٧) أمالى الصدوق : ٣٣٢ / ٣٩٠.
(٨) مناقب ابن شهر آشوب ٣ : ٣٧٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٦٢.
(٩) العراق : العظم اكل لحمه.