فقال : علي عليهالسلام لفاطمة عليهماالسلام :
إني لاعطيه ولا ابالي |
|
و أوثر الله على عيالي |
أمسوا جياعا وهم أشبالي |
|
أصغرهم يقتل في القتال |
فآثروه بطعامهم ، وأفطروا بالماء ، وباتوا جياعا ، وأصبحوا صياما ، فطحنت فاطمة الثّلث الباقي وخبزت ، فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف أسير ، فقال : السّلام عليكم يا أهل بيت النبوة ، أسير من الاسارى ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة ، فآثروه ولم يذوقوا إلّا الماء.
فلمّا أصبحوا في اليوم الرابع أخذ علي بيد الحسن والحسين عليهماالسلام ، فأقبلوا النبي صلىاللهعليهوآله ، فلمّا أبصرهم وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع ، قال صلىاللهعليهوآله : « ما أشدّ ما يسوؤني ما أرى بكم ! » وقام فانطلق معهم ، فرأى فاطمة سلام الله عليها في محرابها قد التصق بطنها بظهرها ، وغارت عيناها ، فساءه ذلك فنزل جبرئيل وقال : خذ يا محمد ، هنّأك الله في أهل بيتك ، فأقرأه السورة (١) ، انتهى.
قال إسماعيل حقي صاحب تفسير ( روح البيان ) : الرواية ضعيفة لضعف راويها إلّا أنّها مشهورة بين العلماء مسفورة في الكتب (٢) .
أقول : من العجب أنّ العامة يعتمدون على ما هو أضعف منها ، ومع ذلك يظهرون الشكّ فيها مع اعترافهم بكونها من المشهورات.
ثمّ أنّهم قد ذكروا في ردّ هذه القضية : أنّ السورة مكية ، وكان نكاح فاطمة في المدينة بعد وقعة احد.
وفيه : أنّ جمعا من علماء العامة ومفسّريهم منهم : مجاهد وقتادة قائلون بأنّ السورة مدنية إلّا آية واحدة ، وهي قوله : ﴿وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً﴾ فانّها مكيّة ، وكذا قال الحسن وعكرمة والمارودي على ما نقل عنهم أنّها مدنية إلّا آية ﴿فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ ...﴾ إلى آخره. وممّا يدلّ على أنّها مدنية أن الأسير إنّما كان بالمدينة بعد آية القتال (٣) .
وقال صاحب ( روح البيان ) : نحن لا نشكّ في صحّة القصّة (٤) ، فلا يصغى إلى ما قال الفخر الرازي من أنّه لم يذكر أحد من أكابر المعتزلة كأبي بكر الأصمّ وأبي علي الجبّائي ، وأبي القاسم الكعبي ، وأبي مسلم الأصفهاني ، والقاضي عبد الجبّار بن أحمد في تفاسيرهم أنّ هذه الآيات نزلت في حقّ علي بن أبي طالب عليهالسلام (٥) .
أقول : عدم ذكرهم القصّة لا يدلّ على إنكارهم بأنّ ظاهر الآيات العموم ولا وجه لتخصيصها ، مع أنّ
__________________
(١) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٨.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٩.
(٣و٤) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٦٩.
(٥) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٤٣.