على الله.
ثمّ عيّن سبحانه وقته بذكر علاماته بقوله : ﴿فَإِذَا النُّجُومُ﴾ والكواكب كلّها ﴿طُمِسَتْ﴾ وانعدمت أجرامها ، أو محقت أنوارها. عن الباقر عليهالسلام : « طموسها ذهاب ضوؤها » (١) ، ﴿وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ﴾ لنزول الملائكة ، أو فتحت أبوابها ﴿وَإِذَا الْجِبالُ﴾ كلّها ﴿نُسِفَتْ﴾ وفتّت وذريت كالرمل فوق الأرض ، أو قلعت من أماكنها بسرعة لانقضاء الدنيا وعدم الفائدة في بقائها أو بقاء السماء وما فيها من الكواكب ﴿وَإِذَا الرُّسُلُ﴾ والأنبياء الذين هم شهداء على اممهم ﴿أُقِّتَتْ﴾ وعيّنت لهم أوقات شهادتهم ، أو بلغوا الميقات الذي كانوا ينتظرونه ، وكانوا يعدّون وقوعه ، وهو يوم القيامة والمجازاة بالأعمال.
ثمّ يقال تعجّبا من عظمة القيامة : أيّها الناس لا تدرون ﴿لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ﴾ واخّرت الامور الراجعة إلى الرسل من جمعهم وإحضارهم وتعذيب مكذّبيهم وإثابة مصدّقيهم والمؤمنين بهم. ثمّ كأنّه قال تعالى : إنّما أخّرت جميع ذلك ﴿لِيَوْمِ الْفَصْلِ﴾ والقضاء بين الخلائق ، كما عن ابن عباس (٢) .
ثمّ بالغ سبحانه في تعظيم ذلك اليوم بقوله : ﴿وَما أَدْراكَ﴾ وأي شيء أعلمك يا محمد ﴿ما يَوْمُ الْفَصْلِ﴾ في كثرة الأهوال والشدائد وشدّة الفظاعة ﴿وَيْلٌ﴾ وهلاك دائم ﴿يَوْمَئِذٍ﴾ وفي ذلك الوقت الهائل ﴿لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بالأخبار بوقوع ذلك اليوم وبالرسل الذين أخبروا بوقوعه وبتوحيد الله ، ثمّ استشهد سبحانه على قدرته على إتيان ذلك اليوم وتعذيب المكذّبين به بما أنزل على الامم السابقة من العذاب المستأصل بقوله : ﴿أَلَمْ نُهْلِكِ﴾ الامم ﴿الْأَوَّلِينَ﴾ والسابقين بتكذيبهم التوحيد والرسل والمعاد ، كقوم نوح وعاد وثمود بالعذاب الشديد ﴿ثُمَ﴾ نحن ﴿نُتْبِعُهُمُ﴾ في الاهلاك والعذاب الامم ﴿الْآخِرِينَ﴾ الذين هم نظراؤهم والسالكون مسلكهم في الكفر وتكذيب الرسل والمعاد ﴿كَذلِكَ﴾ الفعل الذي فعلنا بالامم السابقين المكذّبين ﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾ والطاغين الذين هم في عصرك وبعده ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ﴾ وفي زمان إهلاكهم ﴿لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ بآيات الله وأنبيائه.
قيل : إنّه تعالى كرّر قضية الويل في السورة المباركة عشر مرات ؛ لأنّ تكرار القضية المرعبة في مقام التوعيد والترهيب دأب العرب ، وهو من البدائع والمحسّنات (٣) .
وعن الكاظم عليهالسلام في تأويل الآية أنّه قال : « يقول : ﴿وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ﴾ يا محمد بما أوحيت إليك من ولاية عليّ » قال : « الأولين الذين كذّبوا الرسل في طاعة الأوصياء و﴿نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ﴾
__________________
(١) تفسير القمي ٢ : ٤٠١ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٦٨.
(٢) تفسير الرازي ٣٠ : ٢٧٠.
(٣) تفسير روح البيان ١٠ : ٢٨٤.