السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً * وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً (١٧) و (٢٠)﴾
ثمّ إنّه تعالى بعد ما بيّن كمال قدرته وحكمته وإتمام نعمته على الخلق من حيث المسكن وأسباب المعيشة والراحة في الدنيا ، ذكر أحوال الآخرة بقوله : ﴿إِنَ﴾ يوم القيامة الذي هو ﴿يَوْمَ الْفَصْلِ﴾ والقضاء بين الناس ﴿كانَ﴾ بتقدير الله ﴿مِيقاتاً﴾ وزمانا تنتهي إليه الدنيا أو الخلائق ، أو موعدا للجزاء على الأعمال أو لاجتماع الخلائق.
ثمّ بيّن سبحانه ذلك اليوم بقوله : ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ﴾ النفخة الثانية التي هي نفخة الإحياء ﴿فَتَأْتُونَ﴾ أيّها الناس بعد إحيائكم في القبور وبعثكم منها إلى المحشر حال كونكم ﴿أَفْواجاً﴾ وجماعات قيل : يأتي كلّ نبي مع امّته (١) ، وقيل : يعني فرقا مختلفة (٢) .
روي عن معاذ أنّه سأل رسول الله صلىاللهعليهوآله عنه فقال : « يا معاذ ، سألت عن أمر عظيم من الامور » ثمّ أرسل عينيه وقال : « يحشر عشرة أصناف من امّتي بعضهم على صورة القردة ، وبعضهم على صورة الخنازير ، وبعضهم منكوسون أرجلهم فوق وجوههم يسحبون عليها ، وبعضهم عمي ، وبعضهم صمّ بكم ، وبعضهم يمضغون ألسنتهم وهي مدلّاة على صدورهم يسيل القيح من أفواههم يتقدّر أهل الجمع منهم ، وبعضهم مقطّعة أيديهم وأرجلهم ، وبعضهم مصلّبون على جذوع من نار ، وبعضهم أشدّ نتنا من الجيف ، وبعضهم ملبسون جبابا سابغة من قطران لازقة بجلودهم.
فأمّا الذين على صورة القردة فالقتّات من الناس ، وأمّا الذين على صورة الخنازير فأهل السّحت ، وأمّا المنكوسون على وجوههم فأكلة الرّبا ، وأما العمي فالذين يجورون في الحكم ، وأمّا الصمّ البكم فالمعجبون بأعمالهم ، وأمّا الذين يمضغون ألسنتهم فالعلماء والقضاة الذين تخالف أقوالهم أعمالهم ، وأمّا الذين قطّعت أيديهم وأرجلهم فهم الذين يوذون الجيران ، وأمّا المصلّبون على جذوع النار فالسعاة بالناس إلى السّلطان ، وأمّا الذين هم أشدّ نتنا من الجيف فالذين يتبعون الشهوات واللذات ومنعوا حقّ الله تعالى من أموالهم ، وأموالهم ، وأمّا الذين يلبسون الجباب فأهل الكبر والفخر والخيلاء » (٣) .
ورواه في ( المجمع ) عن النبي (٤) .
﴿وَفُتِحَتِ السَّماءُ﴾ وانشقّت شقوقا كثيرة ﴿فَكانَتْ﴾ السماء لكثرة الشّقوق (٥)﴿أَبْواباً﴾ لنزول
__________________
(١و٢) تفسير الرازي ٣١ : ١٠.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ١٠ ، جوامع الجامع : ٥٢٦ ، تفسير أبي السعود ٩ : ٨٩ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٢٩٩.
(٤) مجمع البيان ١٠ : ٦٤٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٢٧٥.
(٥) زاد في النسخة : كأنّها ، ولا تصحّ ، لأن لفظ الآية بعدها منصوب.