وشيبة بن ربيعة وابو جهل والعباس بن عبد المطلب وامه خلف والوليد بن مغيرة يدعوهم إلى الاسلام رجاء أن يسلم باسلامهم غيرهم فقال للنبي صلىاللهعليهوآله اقرئني وعلّمني ممّا علّمك الله ، وكرّر ذلك ، فكره النبي صلىاللهعليهوآله قطعه الكلام وعبس وأعرض عنه ، فنزلت هذه الآيات (١) .
وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله يكرمه ويقول : إذا مدحه : مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي ، رواه الزمخشري ، والفخر الرازي ، وأبو السعود ، وإسماعيل الحقّي (٢) ، وقال الفخر : أجمع المفسّرون على أنّ الذي عبس وتولّى هو الرسول صلىاللهعليهوآله ، وأجمعوا على أنّ الأعمى ابن امّ مكتوم (٣) .
وقال بعض علماء أصحابنا ، ما اشتهر من تنزيل هذه الآيات في النبي صلىاللهعليهوآله دون عثمان يأباه سياق مثل هذه المعاتبات للنبي صلىاللهعليهوآله الغير اللائقة بمنصبه ، وكذا ما ذكر بعدها إلى آخر السورة (٤) .
ووجّه بعض العامة فعل النبي صلىاللهعليهوآله بأن امّ مكتوم كان سؤاله حراما في الواقع عن النبي صلىاللهعليهوآله لكونه إيذاء ومانعا له عمّا هو الأهمّ من دعوة جمع من صناديد قريش إلى الإسلام ، وكان الواجب على النبي صلىاللهعليهوآله ، الإعراض عنه والاشتغال بالأهمّ مع أنّه كان مأذونا في تأديب المسلمين ، ولذا كان ابن امّ مكتوم مستحقّا للعتاب ، ولكن لمّا كان فعل النبي صلىاللهعليهوآله موهما لتقديمه الأغنياء على الفقراء ، أو لأنّه كان ميل النبي صلىاللهعليهوآله إلى إسلامهم لقرابتهم وشرفهم وعلوّ منزلتهم ، والنفرة على الأعمى الذي لا قرابة له ولا شرف (٥) ، والعبوس والتولّي كانا لتلك الداعية ، عاتبه الله عليه ، لأنّه ترك للأولى ، والتعبير عن ابن امّ مكتوم بالأعمى الدالّ على تحقيره ، وإن نافى تعظيمه بتوجيه العتاب إلى النبي صلىاللهعليهوآله بسبب إعراضه عنه وتعيين وجهه ، إلّا أنّ في التعبير إشعارا باستحقاق الأعمى مزيد الرفق والرأفة ، أو لعذره في قطع كلام النبي صلىاللهعليهوآله ، أو لزيادة الإنكار كأنّه قال تعالى : تولّى لكونه أعمى ، مع أنّه لا يليق هذا بمن له خلق كريم.
أقول : بعد الاعتراف بأنّه كان الواجب على النبي صلىاللهعليهوآله الأعراض والتولّي عنه ، والاشتغال بما هو الأهمّ ، وكون تأديب المسلمين وظيفته صلىاللهعليهوآله ، وكون ميل النبي صلىاللهعليهوآله إلى إسلامهم لقرابتهم وشرفهم ، مع كونه مأمورا بإنذار خصوص أقربائه بقوله : ﴿وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾(٦) وكون إسلامهم سببا لاسلام عامة قريش ، بل أكثر العرب ، أي مجال للعتاب وتوهين النبي صلىاللهعليهوآله إلى يوم القيامة بأداء الواجب عليه ، وكون داعية إسلامهم موجبا لغاية تعظيمه ، لا توهينه وتعظيم الأعمى ، وأمّا دعوى أنّه
__________________
(١) الكشاف ٤ : ٧٠٠ ، تفسير الرازي ٣١ : ٥٤ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٠٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٠.
(٢) الكشاف ٤ : ٧٠١ ، تفسير الرازي ٣١ : ٥٤ ، تفسير أبي السعود ٩ : ١٠٧ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣١.
(٣) تفسير الرازي ٣١ : ٥٥.
(٤) تفسير الصافي ٥ : ٢٨٥.
(٥) تفسير الرازي ٣١ : ٥٥ ، تفسير روح البيان ١٠ : ٣٣٢.
(٦) الشعراء : ٢٦ / ٢١٤.