بقوله : ﴿فَالْجارِياتِ﴾ في البحار جريانا ﴿يُسْراً﴾ وسهلا. ثم حلف بالملائكة الذين يقسّمون الأمطار والأرزاق بقوله : ﴿فَالْمُقَسِّماتِ أَمْراً﴾ والمراد بالأمر جنسه ، فيشمل جميع الأمور المنقسمة بين الخلائق.
روى بعض العامة عن أمير المؤمنين عليهالسلام أنّه قال : « الذاريات هي الرياح ، والحاملات هي السّحاب ، والجاريات هي السّفن ، والمقسمات هي الملائكة الذين يقسّمون الأرزاق » (١) .
وعن القمي رحمهالله ، عن الصادق عليهالسلام : « أن أمير المؤمنين سئل عن ( الذاريات ذروا ) قال : الريح ، وعن ( الحاملات وقرا ) قال : السّحاب ، وعن ( الجاريات يسرا ) قال : هي السّفن ، وعن (المقسمات امرا ) قال : الملائكة » (٢) . وعن ( الاحتجاج ) عن أمير المؤمنين عليهالسلام مثله (٣) .
والعجب من الفخر الرازي أنّه نقل هذا التفسير عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، ومع ذلك اختار غيره ، مع رواية العامة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « أنا مدينة العلم ، وعليّ بابها » (٤) وأنّه مع الحقّ والحقّ معه (٥).
قال الناصب : الأقرب أنّ هذه صفات أربع للرياح التي تنشئ السّحاب أولا ، والحاملات هي الرياح التي تحمل السّحب التي هي بخار المياه التي إذا سّحت جرت السيول العظيمة ، وهي أوقار أثقل من الجبال ، والجاريات هي الرياح التي تجري بالسّحب بعد حملها ، والمقسمات هي الرياح التي تفرّق الأمطار على الأقطار (٦) .
وفيه مع أنّه تفسير بالرأي ومن فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ومخالف لما فسّره به نفس الرسول صلىاللهعليهوآله ولسانه وعيبة علمه ، على تقدير ثبوته ، فاسد في نفسه لظهور أنّ الذاريات غير المنشئات ، والسائقات غير الحاملات ، والجاريات غير المجريات ، والمقسمات مطلق الأمر الشامل للأمطار والأرزاق وغيرها ، غير مقسمات خصوص المطر ، فالمقسمات أمرا كالمدبرات أمرا ، قيل : هم أربعة : جبرئيل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، وعزرائيل (٧) . والظاهر أنّ هؤلاء عمد المدبّرات ، وإلّا فالمدبّرات أكثر.
قيل : إنّ هذه الامور دلائل التوحيد أخرجها بصورة القسم (٨) .
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٨ : ١٩٥.
(٢) تفسير القمي : ٢ : ٣٢٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٦٧.
(٣) الاحتجاج : ٢٥٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٦٧.
(٤) مستدرك الحاكم ٣ : ١٢٦ و١٢٧ ، جامع الاصول ٩ : ٤٧٣ / ٦٤٨٩ ، أسد الغابة ٤ : ٢٢ ، تاريخ بغداد ١١ : ٤٩ و٥٠.
(٥) مناقب الخوارزمي : ٥٧ ، ترجمة الامام علي عليهالسلام من تاريخ دمشق ٣ : ٥٣ / ١١٧٢.
(٦) تفسير الرازي ٢٨ : ١٩٥.
(٧) تفسير روح البيان ٩ : ١٤٨.
(٨) تفسير الرازي ٢٨ : ١٩٤.