وعن القمي قال : كان سببهم أن الذي هيّج الحبشة على غزوة اليمن ذو نؤاس ، وهو آخر من ملك حمير ، تهوّد واجتمعت معه حمير على اليهوديه ، وسمّى نفسه يوسف ، وأقام على ذلك حينا من الدهر ، ثمّ اخبر أنّ بنجران بقايا قوم على دين النصرانية والمسيحية وعلى حكم الإنجيل ، ورأس ذلك الدين عبد الله بن رياس (١) ، فحمله أهل دينه على أن يسير إليهم ويحملهم على اليهودية ، يدخلهم فيها ، فسار حتّى قدم نجران ، فجمع من كان بها على دين النصرانية ، ثمّ عرض عليهم دين اليهودية والدخول فيها ، فأبوا عليه ، فجادلهم وعرض عليهم وحرص الحرص (٢) كلّه ، فأبوا عليه ، وامتنعوا من اليهودية والدخول فيها ، واختاروا القتل ، فاتّخذ لهم اخدودا ، وجمع فيه (٣) الحطب ، وأشعل فيه النار ، فمنهم من احرق بالنار ، ومنهم من قتل بالسيف ، ومثّل بهم كلّ مثلة ، فبلغ عدد قتل وأحرق بالنار عشرين ألفا ، وأفلت رجل منهم يدعى دوس ذو ثعلبان على فرس له وركضه (٤) ، واتبعوه حتى أعجزهم في الرمل ، ورجع ذو نؤاس إلى ضيعة (٥) في جنوده (٦) .
وروى الفخر الرازي عن أمير المؤمنين عليهالسلام : أنّهم حين اختلفوا في أحكام المجوس قال : « هم أهل الكتاب ، وكانوا متمسّكين بكتابهم ، وكانت الخمر قد احلّت لهم ، فتناولها بعض ملوكهم ، فسكر فوقع على اخته ، فلمّا صحا ندم وطلب المخرج ، فقالت له : المخرج أن تخطب الناس فتقول : إنّ الله تعالى قد أحلّ نكاح الأخوات ، ثمّ تخطّبهم بعد ذلك فتقول : إنّ الله حرّمه ، فخطب فلم يقبلوا منه ذلك فقالت له : ابسط فيهم السوط ، فلم يقبلوا ، فقالت : ابسط فيهم السيف ، فلم يقبلوا ، فأمرته بالأخاديد وإيقاد النيران ، وطرح من أبى فيها ، فهم الذين أراد الله بقوله : ﴿قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ﴾ » (٧).
وعن الباقر عليهالسلام قال : « ارسل عليّ عليهالسلام إلى أسقف نجران يسأله عن أصحاب الاخدود ، فأخبره بشيء. فقال : ليس كما ذكرت ، ولكن ساخبرك عنهم ، إنّ الله بعث رجلا حبشيا نبيا ، وهم حبشة فكذّبوه ، فقاتلهم فقتلوا أصحابه ، وأسروه وأسروا أصحابه ، ثمّ بنوا له حيرا (٨) ، ثمّ ملأوه نارا ، ثمّ جمعوا الناس فقالوا : من كان على ديننا وأمرنا فليعتزل ، ومن كان على دين هؤلاء فليرم نفسه في النار معه ، فجعل أصحابه يتهافتون في النار ، فجاءت امرأة معها صبيّ لها ابن شهر ، فلمّا قربت هابت ورقّت على ابنها ، فناداها الصبيّ ، لا تهابي وارميني ونفسك في النار ، فانّ هذا والله في الله قليل. فرمت بنفسها
__________________
(١) في المصدر : عبد الله بن بريا ، وفي تفسير الصافي : عبد الله بن برياس ، وفي تاريخ الطبري ٢ : ١٢٢ ، والكامل في التاريخ ١ : ٤٢٩ ، عبد الله بن الثامر.
(٢) في النسخة : بينهم وحرض الحرض.
(٣) في النسخة : فيها من.
(٤) ركض الفرس برجله : استحثّه للعدو.
(٥) في المصدر : ضيعته.
(٦) تفسير القمي ٢ : ٤٢٣ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٠٩.
(٧) تفسير الرازي ٣١ : ١١٧.
(٨) الحير : شبه الحظيرة أو الحمى.