للحرب العوان (١) . واعلم أنا قاتلوك وقاتلوا أصحابك ، والموعد فيما بيننا وبينك غدا [ ضحوه ] ، وقد أعذرنا فيما بيننا وبينك.
فقال علي عليهالسلام : ويلكم تهدّدوني بكثرتكم وجمعكم ، فأنا استعين بالله وبملائكته والمسلمين عليكم ، ولا حول ولا قوة إلّا بالله العلي العظيم ، فانصرفوا إلى مراكزهم ، وانصرف عليّ إلى مركزه.
فلمّا جنّه الليل أمر أصحابه أن يحسنوا (٢) إلى دوابّهم ويقضموا (٣) ويسرجوا ، فلمّا انشقّ عمود الصبح صلّى بالناس بغلس ، ثمّ غار عليهم بأصحابه ، ولم يعلموا حتى وطئتهم الخيل ، فما أدرك آخر أصحابه حتّى قتل مقاتليهم ، وسبى ذراريهم ، واستباح أموالهم ، وخرّب ديارهم ، وأقبل بالاسارى والأموال معه.
فنزل جبرئيل واخبر رسول الله صلىاللهعليهوآله بما فتح الله على علي عليهالسلام وجماعة المسلمين ، فصعد رسول الله المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، اخبر الناس بما فتح الله على المسلمين ، وأعلمهم أنّه لم يصب منهم إلّا رجلين ونزل ، فخرج يستقبل عليا عليهالسلام في جميع أهل المدينة من المسلمين حتّى لقيه على ثلاثة أميال من المدينة ، فلمّا رآه علي عليهالسلام مقبلا نزل عن دابّته ، ونزل النبي صلىاللهعليهوآله حتّى التزمه وقبّل ما بين عينيه ، فنزل جماعة المسلمين إلى حيث نزل رسول الله صلىاللهعليهوآله وأقبل بالغنيمة والاسارى وما رزقهم الله من أهل وادي اليابس » .
ثمّ قال الصادق عليهالسلام : « ما اغتم المسلمون مثلها قطّ ، إلا أن يكون من خيبر ، فانّها مثل خيبر ، وأنزل الله في ذلك اليوم هذه السورة ﴿وَالْعادِياتِ ضَبْحاً﴾ يعني بالعاديات ، الخيل تعدو بالرجال ، والضبح : ضبحها في أعنّتها ولجمها ﴿فَالْمُورِياتِ قَدْحاً* فَالْمُغِيراتِ صُبْحاً﴾ فقد أخبرك أنّها غارت عليهم صبحا ﴿فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً﴾ قال : يعني الخيل يأثرن بالوادي [ نقعا ]﴿فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً ... ﴾ » الخبر (٤) .
وروى بعض العامة عن علي عليهالسلام وابن مسعود ، أن المراد بالعاديات الإبل (٥) .
ورووا عن ابن عباس أنّه قال : بينا أنا أجالس في الحجر إذ أتاني رجل فسألني عن ﴿الْعادِياتِ ضَبْحاً﴾ ففسّرتها بالخيل ، فذهب إلى علي عليهالسلام وهو تحت سقاية زمزم ، فسأله وذكر له ما قلت ، فقال : « ادعه لي » فلمّا وقفت على رأسه قال : تفتي الناس بما لا علم لك به ! والله إن كانت لأوّل غزوة في الاسلام بدر ، وما كان معنا إلّا فرسان : فرس للزبير ، وفرس للمقداد ﴿وَالْعادِياتِ ضَبْحاً﴾ الإبل من
__________________
(١) وهي الحرب التي قوتل فيها مرّة بعد اخرى كأنهم جعلوا الأولى بكرا ، والحرب العوان ، هي أشدّ الحروب.
(٢) في النسخة : يجيئوا.
(٣) أقضم القوم : امتاروا شيئا قليلا في القحط ، وأقضم الدابة : علفها القضم ، وهو نبت من الحمض.
(٤) تفسير القمي ٢ : ١٣٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٦١.
(٥) تفسير الرازي ٣٢ : ٦٣.