موسى ومن معه ﴿قالَ﴾ لقومه في حقّ موسى عليهالسلام : إنّه ﴿ساحِرٌ﴾ يفعل ما يفعل من خوارق العادات بالسحر والشّعبذة ، ﴿أَوْ﴾ هو ﴿مَجْنُونٌ﴾ فاقد العقل حيث يقول قولا لا يقبله (١) منه عاقل ، مع أن فيه هلاك نفسه وقومه.
قيل : إنّ الساحر والمجنون كلاهما يستعينان بالجنّ ، والفرق أنّ الساحر يأتي الجنّ باختياره ، والمجنون يأتيه الجنّ بغير اختياره ، وغرضه من الترديد صيانة كلامه من الكذب (٢) .
وقيل : إنّه لغاية جهله طعن على موسى عليهالسلام بالمتضادين ، حيث إنّ السحر مستلزم للعقل وجودة الذهن وكمال الحذاقة والجنون هو زوال العقل وعدم الفهم والدراك ، وهما ضدّان (٣) .
وقيل : إنّ كلمة ( أو ) بمعنى الواو ؛ لأنّه نسبه إليهما جميعا (٤) ، وعلى أي تقدير عصى فرعون وطغى ﴿فَأَخَذْناهُ وَجُنُودَهُ﴾ بذنبهم ، كما يأخذ أحدكم الحصيات الصغار بكفّه ﴿فَنَبَذْناهُمْ﴾ وطرحناهم ﴿فِي الْيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٌ﴾ ومستحق للملامة عند العقلاء وعند نفسه بما ارتكب من معارضة موسى عليهالسلام وطغيانه بالكفر والعصيان.
﴿وَفِي﴾ قصّة قوم ﴿عادٍ﴾ الذين عارضوا هود آيات وعبر للناس إلى يوم القيامة ﴿إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ﴾ عقوبة على كفرهم وطغيانهم ومعارضة رسولهم هود ﴿الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ والصّرصر العاتية التي لم تلد خيرا من إنشاء مطر أو تلقيح شجر ، وكيف يتوقّع منها الخير ؟ وقيل : وصفت بالعقيم لأنّها قطعت دابرهم (٥) ، فشبّهت بالنساء العقيمات اللاتي لا يلدن ، لأنّها كانت سبب قطع الأرحام من الولادة بإهلاكهم ، والحال أنّها ﴿ما تَذَرُ﴾ وما تترك ﴿مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ﴾ وجرت ﴿عَلَيْهِ﴾ من انفسهم وأموالهم وأبنيتهم ومواشيهم ﴿إِلَّا جَعَلَتْهُ﴾ وصيّرته لشدّتها ﴿كَالرَّمِيمِ﴾ ومثل الحشيش اليابس المتفتّت.
عن أمير المؤمنين عليهالسلام : « الرياح خمسة : الريح العقيم ، فتعوّذوا بالله من شرّها » (٦) .
وعن الباقر عليهالسلام : « أنّ لله جنودا من الريح ، يعذّب بها من عصاه » (٧) .
﴿وَفِي﴾ حديث قوم ﴿ثَمُودَ﴾ وهم قوم صالح آيات أو آية ﴿إِذْ قِيلَ لَهُمْ﴾ والقائل صالح بعد عقرهم ناقة الله : ﴿تَمَتَّعُوا﴾ وانتفعوا أيّها القوم بالحياة ﴿حَتَّى حِينٍ﴾ وإلى وقت نزول العذاب ، وهو آخر ثلاثة أيام ، أو إلى انقضاء آجالكم المقدّرة ، فإن أحسنتم حصل لكم التمتّع في الدارين ، وإلّا فما لكم في الآخرة من نصيب ﴿فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ﴾ وطغوا على خالقهم ونبيّهم ، ولم يعتنوا بإنذاره ،
__________________
(١) في النسخة : لا يقبل.
(٢) تفسير الرازي ٢٨ : ٢٢١.
(٣و٤) تفسير روح البيان ٩ : ١٦٦.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ١٦٧.
(٦) من لا يحضره الفقيه ١ : ٣٤٥ / ١٥٢٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٧٣.
(٧) الكافي ٨ : ٩١ / ٦٣ ، من لا يحضره الفقيه ١ : ٣٤٤ / ١٥٢٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٧٣.