رماهم الطير بالحجارة ، فقال عبد المطّلب لصاحبه : صار القوم بحيث لا يسمع لهم ركز (١) ، فانحطّا من الجبل ودخلا العسكر ، فاذا هم موتى ، فجمعا من الذهب والجواهر ، وحفر كلّ منهما لنفسه حفيرة وملأها من المال ، وكان ذلك سبب غناهما ، وصارت بقية أمتعتهم غنيمة لقريش وأهل مكّة ، هذا كلّه ما رواه العامة (٢) .
وقال القمي رحمهالله : نزلت في الحبشة حين جاءوا بالفيل ليهدموا به الكعبة ، فلمّا أدنوه من باب المسجد ، قال له عبد المطّلب : تدري أين يؤمّ بك ؟ قال برأسه : لا. قال : أتوا بك لتهدم كعبة الله ، أتفعل ذلك ؟ قال برأسه : لا ، فجهدت به الحبشة ليدخل المسجد فامتنع ، فحملوا عليه بالسيوف وقطّعوه ، فأرسل الله عليهم طيرا أبابيل ، قال : بعضها على أثر بعض ترميهم بحجارة من سجيل ، قال : كان مع كلّ طير ثلاثة أحجار : حجر في منقاره ، وحجران في مخالبه ، وكانت ترفرف على رؤوسهم ، وترمي في دماغهم ، فيدخل في دماغهم ويخرج من أدبارهم وينتقض (٣) أبدانهم ، فكانوا كما قال الله : ﴿فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ﴾ قال : العصف : التبن ، والمأكول : هو الذي يبقى من فضله (٤) .
وعن الصادق عليهالسلام : « بعث الله عليهم الطير كالخطاطيف في مناقيرها حجر كالعدسة أو نحوها ، فكانت تحاذي رأس الرجل ، ثمّ ترسلها على رأسه ، فتخرج من دبره حتّى لم يبق منهم إلّا رجل هرب فجعل يحدّث الناس بما رأى ، فطلع عليه طائر منها فرفع رأسه فقال : هذا الطير منها ، وجاء الطير حتّى حاذى رأسه ثمّ ألقاها عليه ، فخرجت من دبره فمات » (٥) .
وعن الباقر عليهالسلام أنّه سئل عن قول الله تعالى ﴿وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ﴾ قال : « كان طير سافّ (٦) جاءهم من قبل البحر ، رؤوسها كأمثال رؤوس السّباع ، وأظفارها كأظفار السّباع من الطير ، مع كلّ طائر ثلاثة أحجار : في رجليه حجران ، وفي منقاره حجر ، فجعلت ترميهم بها حتى جدّرت أجسادهم ، فقتلهم بها ، وما كان قبل ذلك رؤي شيء من الجدري ، ولا رأوا ذلك من الطير قبل ذلك اليوم ولا بعده » .
قال : « ومن أفلت منهم يومئذ انطلق حتى إذا بلغوا حضر موت - وهو واد دون اليمن - أرسل الله عليهم سيلا فغرّقهم أجمعين » . قال : « وما رؤي في ذلك الوادي ماء قطّ قبل ذلك اليوم بخمس عشرة سنة » قال : « ولذك سمّي حضر موت حين ماتوا فيه » (٧) .
__________________
(١) الرّكز : الصوت الخفي.
(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٥١٦.
(٣) في النسخة : وتنقص.
(٤) الكافي تفسير القمي ٢ : ٤٤٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٧٦.
(٥) الكافي ٤ : ٢١٦ / ٢ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٧٦.
(٦) أسفّ الطائر : دنا من الأرض.
(٧) الكافي ٨ : ٨٤ / ٤٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٧٧.