الجنون ، فتبا له وتعسا ، فاخبر النبي صلىاللهعليهوآله بذلك فحزن ، فنزلت السورة (١) .
وفي رواية ابن عباس : اجتمعت عنده قريش فقال صلىاللهعليهوآله : « إنّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين وأنتم الأقربون ، اعلموا أنّي لا أملك لكم من الدنيا حظا ، ولا من الآخرة نصيبا ، إلّا أن تقولوا : لا إله إلّا الله ، فأشهد بها لكم عند ربّكم » . فقال أبو لهب ذلك : تبا لك ، ألهذا دعوتنا ! فنزلت السورة (٢) .
وعنه قال : ﴿تَبَّتْ﴾ أي خابت ، لأنّه كان يدفع القوم عنه بقوله : إنه ساحر ، فينصرفون عنه قبل لقائه. لأنّه كان شيخ القبيلة ، وكان له صلىاللهعليهوآله كالأب ، فكان لا يتّهم ، فلمّا نزلت السورة غضب وأظهر العداوة الشديدة ، فصار متّهما ، فلم يقبل قوله في الرسول صلىاللهعليهوآله بعد ذلك ، فكأنّه خاب سعيه وبطل غرضه (٣) .
قيل : إنّما ذكر سبحانه اليد ، لأنّه كان يضرب يديه على كتف الوافد عليه لدفعه ، ويقول : انصرف راشدا فانّه مجنون (٤) . وقيل : يعني صفرت يداه عن كلّ خير (٥) ، وعليه يكون المراد باليد حقيقتها ، فانّه كان يؤذي النبي صلىاللهعليهوآله بيده.
روي عن طارق المحاربي أنّه قال : رأيت رسول الله صلىاللهعليهوآله في السوق يقول : « أيّها الناس ، قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا » ورجل خلقه يرميه بالحجارة. وقد أدمى عقبيه ، وقال : لا تطيعوه فانّه كذّاب ، فقلت : من هذا ؟ فقالوا : محمّد ، وعمّه أبو لهب (٦) .
وقيل : إنّما اسند الخسران أو الخيبة إلى يديه ، لما روي أنّه كان يقول : يعدنيى محمد أشياء لا أرى أنّها كائنة ، يزعم أنّها بعد الموت ، فلم يضع في يدي من ذلك شيئا ، ثمّ ينفخ في يديه ، ويقول : تبا لكما ، ما أرى فيكما شيئا ، فنزلت السورة (٧) .
أو لما روي أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لمّا دعاه نهارا فأبى ، فلمّا جنّ الليل ذهب إلى داره مستنّا بسنّه نوح عليهالسلام ليدعوه ليلا كما دعاه نهارا ، فلمّا دخل عليه قال له : جئتني معتذرا ، فجلس النبي صلىاللهعليهوآله أمامه كالمحتاج ، وجعل يدعوه إلى الاسلام ، وقال : « إن كان يمنعك العار فأجبني في هذا الوقت وأسكت » فقال : لا اؤمن بك حتّى يؤمن بك هذا الجدي. فقال صلىاللهعليهوآله للجدي : من أنا ؟ فقال : رسول الله ، واطلق لسانه فأثنى عليه ، فاستولى الحسد على أبي لهب ، فأخذ يدي الجدي فمزّقه وقال : تبا لك أثّر فيك السحر ! فقال الجدي : بل تبا لك ، فنزلت السورة على وفق ذلك ﴿تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ﴾ لتمزيقه يدي الجدي (٨)﴿وَتَبَ﴾ وحصلت الخيبة والخسران : أو الهلاك له ، فيكون إخبارا بعد إخبار ، ولكن أراد بالأول هلاك
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٦.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٥.
( ٣ - ٦ ) تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٦.
(٧) تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٧.
(٨) تفسير الرازي ٣٢ : ١٦٧.