قيل : إنّ يوسف لمّا القي في الجبّ وجعت ركبته وجعا شديدا ، فبات نيلته ساهرا ، فلمّا قرب طلوع الصبح نزل جبرئيل بإذن الله يسلّيه ويأمره بأن يدعو ربّه فقال : يا جبرئيل ادع أنت وأؤمّن أنا ، فدعا جبرئيل ، وأمّن يوسف ، فكشف الله ما كان به من ضرّ ، فلمّا طاب وقت يوسف قال : يا جبرئيل ، وأنا أدعو أيضا وتؤمّن أنت ، فسال يوسف ربّه أن يكشف الضرّ عن جميع أهل البلاء في ذلك الوقت ، فلا جرم ما من مريض إلّا ويجد خفّة في ذلك الوقت (١) . وقيل : إنّ الفلق هو كلّ ما يفلقه [ الله ] ويفرّقه عن شيء آخر ، كالأرض عن النبات ، والجبال عن العيون ، والسّحاب عن الأمطار ، والأرحام عن الأولاد ، والبيض عن الفرخ ، بل والعدم عن الوجود ، وعليه يكون المعنى بربّ الفلق ظلمات العدم بنور الوجود (٢) .
وقيل : إنّ الفلق واد أو جبّ في جهنّم ، إذا فتح صاح جميع أهل النار من شدّة حرّه (٣) .
وعن الصدوق ، عن الصادق عليهالسلام أنّه سئل عن الفلق فقال : « صدع في النار ، فيه سبعون ألف دار ، في كلّ دار سبعون ألف بيت ، في كلّ بيت سبعون ألف أسود ، في جوف كلّ أسود سبعون ألف جرّة سمّ ، لا بدّ لأهل النار أن يضمرّوا عليها » (٤) .
وعن القمي ، قال : الفلق : جبّ في جهنّم ، يتعوّذ أهل النار من شدّة حرّه ، سأل الله أن يأذن له أن يتنفّس ، فأذن له فتنفّس فأحرق جهنّم (٥) .
وقيل : إنّ النّكتة في ذكره هنا الإشارة إلى أن من قدر على مثل هذا التعذيب الخارج عن حدّ الوهم ، له رحمة أعظم وأكمل وأتمّ من عذابه ، فكأنّه يقول : يا صاحب العذاب الشديد ، أعوذ برحمتك التي هي أعظم من عذابك (٦) .
وقيل : اريد من الآيتين : أعوذ بربّ جهنّم من شرّ ما خلق فيها (٧) ومن عذابها. وقيل : اريد من قوله : ﴿مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ﴾ أصناف الحيوانات الموذيات ، ويدخل فيه شرّ الجنّ والإنس (٨) .
وعن ابن عباس : يريد إبليس خاصّة ، لأنّ الله لم يخلق خلقا شرّا منه ، ولأنّ السورة نزلت في الاستعانة من السحر ، وذلك إنّما يتمّ بابليس وأعوانه وجنوده (٩) .
وقيل : اريد به ما خلق من الأمراض والأسقام والقحط وأنواع المحن والآفات (١٠) . والحقّ أنّ ما خلق عام لجميع ما ذكر.
__________________
(١) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩١.
(٢) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٢.
(٣) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٣ ، وفي النسخة : شدّة حرها.
(٤) معاني الأخبار : ٢٢٧ / ١ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٩٥.
(٥) تفسير القمي ٢ : ٤٤٩ ، تفسير الصافي ٥ : ٣٩٤.
( ٦ - ٨ ) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٣.
(٩ و١٠) تفسير الرازي ٣٢ : ١٩٣.