﴿بِالْقَوْلِ﴾ إذا كلمتموه (١) وكلّمكم ﴿كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ﴾ بصوته عند مخاطبتكم ﴿لِبَعْضٍ﴾ آخر ، بل أجعلوا أصواتكم عند مكالمته أخفض من صوته ، مراعاة لجلالته وعظمته ، كما هو الدأب في مخاطبة العبد الذليل لسيده العظيم المهيب كراهة ﴿أَنْ تَحْبَطَ﴾ وتبطل ﴿أَعْمالُكُمْ﴾ فانّ عدم الاعتناء بشأن النبي صلىاللهعليهوآله وتحقيره مؤدّ الى الارتداد الموجب لردّ الأعمال وعدم قبولها ﴿وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ﴾ بأنّ مخالفة هذا النهي مؤدّ إلى الكفر حبط الأعمال.
روى بعض العامة عن ابن عباس : أنّها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس ، فانّه كان في اذنيه وقرّ ، وكان جهوري الصوت ، وربما كان يكلّم رسول الله صلىاللهعليهوآله فيتأذّى بصوته (٢) .
وعن أنس : أنّه لمّا نزلت هذه الآية فقد ثابت ، فتفقّده رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فأخبر بشأنه ، فدعاه صلىاللهعليهوآله فسأله ، فقال : يا رسول الله ، لقد انزلت إليك هذه الآية ، وإنّي رجل جهير الصوت ، فأخاف أن يكون عملي قد حبط. فقال : « لست هناك ، إنّك تعيش بخير ، وتموت بخير ، وإنّك من أهل الجنّة » (٣).
قيل : إنّه قتل شهيدا يوم مسيلمة الكذّاب (٤) .
وقيل : إنّ الفرق بين النهيين ، أنّ النهي عن رفع الصوت فيما إذا تكلّمتم وتكلّم النبي صلىاللهعليهوآله ، فعلى المؤمنين أن لا يبلغوا بأصواتهم فوق الحدّ الذي يبلغ إليه صوت النبي صلىاللهعليهوآله ، وأن يغضّوا من أصواتهم بحيث يكون صوت النبي عاليا على أصواتهم ، والنهي عن الجهر فيما إذا كلّمه المؤمنون وهو ساكت ، فنهي المؤمنين عن أن يبلغوا بالجهر في القول الجهر الدائر بينهم ، بل يجب عليهم أن يلينوا القول لينا يقارب الهمس (٥) .
وعن الكاظم عليهالسلام : « أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله لمّا قدم المدينة ، وكثر حوله المهاجرون والأنصار ، كثرت عليه المسائل ، وكانوا يخاطبونه بالخطاب العظيم الذي لا يليق به ، ولذلك قال الله تعالى : ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ ...﴾ الآية وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله بهم رحيما ، وعليهم عطوفا ، وفي إزالة الآثام عنهم مجتهدا ، حتى إنّه كان ينظر إلى من يخاطبه ، فيعمد على أن يكون صوته مرتفعا على صوته ، ليزيل عنه ما توعّده الله من حبط أعماله ، حتى إنّ رجلا أعرابيا ناداه يوما من خلف حائط بصوت جهوري : يا محمد ، فأجابه بأرفع من صوته ، يريد أن لا يأثم الأعرابي بارتفاع
__________________
(١) في النسخة : تكلمتموه.
(٢) جوامع الجامع : ٤٥٦ ، تفسير روح البيان ٩ : ٦٤ ، تفسير الصافي ٥ : ٤٧.
(٣) جوامع الجامع : ٤٥٦ ، تفسير روح البيان ٩ : ٦٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٤٨.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٦٥.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٦٤.