المحرّمات. ويحتمل أن تكون الجملة لبيان اشتراط قبول الحسنات بالاجتناب عن المعاصي الكبيرة.
وقيل : إنّه لمّا بيّن سبحانه حال المسيئين وحال المحسنين ، بيّن حال من لم يأت بالحسنات ولم يرتكب المحرّمات الكبيرة (١)﴿وَالْفَواحِشَ﴾ والقبائح الشديدة القبح ، كالشرك والزنا واللواط وقتل النفس المحترمة وسبّ النبي أو أحد من المعصومين ، فانّها أكبر الكبائر ﴿إِلَّا اللَّمَمَ﴾ وما يفعله مرّة واتّفاقا من غير عادة ولا استمرار عليه.
عن ابن عباس ، قال : معناه إلّا أن يلمّ بالفاحشة مرّة ثمّ يتوب ، ولم يثبت عليه ، فانّ الله يقبل توبته (٢) .
عن الصادق عليهالسلام. قال : « الفواحش : الزنا والسرقة ، واللّمم : الرجل يلمّ بالذنب فيستغفر الله منه » (٣) .
أقول : يلمّ بالذنب. أي يقربه ويرتكبه ولا يقيم عليه.
وعنه عليهالسلام : « ما من ذنب إلّا وقد طبع عليه المؤمن ، يهجره الزمان ثمّ يلمّ به وهو قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ ﴾ » قال : « اللّمّام : العبد الذي يلمّ بالذنب بعد الذنب ، ليس بسليقته » أي من طبعه (٤) .
أقول : « وقد طبع عليه المؤمن » أي يرغب إليه بطبعه وقوله : « ثمّ يلمّ به » أي يرتكبه ويقع فيه اتفاقا ، وقوله « يلمّ بالذنب بعد الذنب » أي يقربه مرة بعد مرة من باب الاتفاق لا للعادة كما عن بعض ، قال : اللّمم والإلمام : ما يعمله الانسان الحين بعد الحين ، ولا يكون له عادة ولا إقامة عليه (٥) .
أقول : على ذلك يكون الاستثناء متّصلا ، وقيل : إنّ كلمة ( إلّا ) بمعنى غير ، والمعنى والفواحش غير اللّمم (٦) . وقيل : إنّ الاستثناء منقطع ، والمراد باللّمم المعاصي الصغيرة (٧) .
وروي أنّ نبهان التمّار أتته امرأة لتشتري التمر ، فقال لها : ادخلي الحانوت ، فعانقها وقبّلها ، فقالت المرأة : خنت أخاك ولم تصب حاجتك ، فندم وذهب إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله فنزلت (٨) .
أقول : نزول الآية في مورد الصغيرة الواقعة من باب الاتفاق ، لا ينافي شمولها لكبيرة الاتفاقية ، ودلالة الآية على قبول التوبة من جميعها ، بل مغفرته بلا توبة ﴿إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ لا تضيق مغفرته عن ذنوب جميع الخلق ، إلّا أنّه تعالى أوجب التوبة ووعد بقبولها.
﴿هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٩ : ٦.
(٢) تفسير روح البيان ٩ : ٢٤٢.
(٣) الكافي ٢ : ٢١٢ / ٧ ، تفسير الصافي ٥ : ٩٤.
(٤) الكافي ٢ : ٣٢٠ / ٥ ، تفسير الصافي ٥ : ٩٤.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٢٤٢.
(٦) تفسير الرازي ٢٩ : ٨.
(٧و٨) تفسير روح البيان ٩ : ٢٤٢.