ثمّ أنكر سبحانه عليهم اعتقادهم ، بتحمّل الغير وزرهم بقوله : ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ﴾ من أنّه يحمل الغير وزره يوم القيامة مع أنّه غائب عنهم ﴿فَهُوَ يَرى﴾ بقلبه ويعتقد بجنانه أنّه يتخلّص من العقوبة على سيّئاته بتحمّلها غيره ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ﴾ ولم يخبر بتوسّط النبي صلىاللهعليهوآله ، أو غيره من أهل الكتاب ﴿بِما فِي صُحُفِ مُوسى﴾ وأسفار التوراة أو ألواحها ﴿وَ﴾ بما في صحف ﴿إِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى﴾ بما عاهد الله ، وبالغ في العمل بأوامره. وقيل : يعني وفّى وأتمّ ما ابتلي به من الكلمات (١) .
وعن الباقر عليهالسلام ، أنّه سئل ما عنى بقوله : ﴿وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ؟﴾ قال : « كلمات بالغ فيهنّ » قيل : وما هنّ ؟ قال : « كان إذا أصبح قال : أصبحت وربّي محمود ، أصبحت لا اشرك بالله شيئا ، ولا ادعو مع الله إلها ، ولا أجد من دونه وليا - ثلاثا - وإذا أمسى قال ثلاثا » (٢) .
وروى بعض العامة عن النبي صلىاللهعليهوآله أنّه قال : « ألا اخبركم لم سمّى الله الخليل الذي وفىّ ؟ كان يقول إذا أصبح وأمسى : ﴿فَسُبْحانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ* وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ ﴾»(٣) .
ثمّ بيّن سبحانه ما في صحفهما بقوله : ﴿أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى﴾ ولا يعاقب أحد بذنب غيره ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ﴾ ثواب وأجر ﴿إِلَّا﴾ ثواب ﴿ما سَعى﴾ وله جدّ في تحصيله ، فلا يثاب أحد على عمل غيره ، وأما إثابتهم على عمل من ناب عنهم ، فان كانت النيابة باستدعاء المناب عنه فهو ثواب على عملهم ، وإن كان عمل النائب تبرعا وبغير الاستدعاء فهو من آثار إيمانهم المكتسبة بسعيهم.
وعن ابن عباس وعكرمة : أنّه منسوخ في شريعة خاتم النبيين صلىاللهعليهوآله ، فانّ المؤمنين يثابون بصدقات إخوانهم المؤمنين وعباداتهم عنهم في هذه الشريعة (٤) .
وقيل : إنّ الاثابة في المورد وأمثاله بالتفضل (٥) ، فلا نسخ على هذا وعلى الأول.
﴿وَ﴾ فيها ﴿أَنَّ سَعْيَهُ﴾ وعين ما عمله محفوظ عند ربّه و﴿سَوْفَ يُرى﴾ ويعاين ذلك العمل بصورته الواقعية في القيامة ﴿ثُمَّ يُجْزاهُ﴾ ويثاب عليه في ذلك اليوم ﴿الْجَزاءَ الْأَوْفى﴾ والثواب الأكمل الأوفر الذي لا يمكن أكمل ولا أوفر منه ﴿وَ﴾ فيها ﴿أَنَّ إِلى رَبِّكَ﴾ يا محمد ، أو أيها العاقل ، لا إلى غيره ﴿الْمُنْتَهى﴾ أو المصير لجميع الخلائق بعد الموت وحين البعث ، فيجازي كلا منهم على
__________________
(١) تفسير روح البيان ٩ : ٢٤٦.
(٢) الكافي ٢ : ٣٨٨ / ٣٨ ، تفسير الصافي ٥ : ٩٥.
(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٢٤٦ ، والآيتان من سورة الروم : ٣٠ / ١٧ و١٨.
(٤) تفسير روح البيان ٩ : ٢٤٧.
(٥) تفسير روح البيان ٩ : ٢٤٨.