فجاء بعشر من الإبل فساهم عليها وعلى عبد الله فخرجت السهام على عبد الله ، فزاد عشرا فلم تزل السهام تخرج على عبد الله ويزيد عشرا ، فلما أن خرجت مائة خرجت
__________________
قاله العلامة المجلسي ـ رحمهالله ـ وفى حديث آخر رواه الكليني أيضا مسندا عن الصادق (ع) قال : « يبعث عبد المطلب أمة وحده عليه بهاء الملوك ، وسيماء الأنبياء ، وذلك أنه أول من قال بالبداء » وفى الحسن كالصحيح عن رفاعة عن أبي عبد الله (ع) قال : « كان عبد المطلب يفرش له بفناء الكعبة ، لا يفرش لاحد غيره ، وكان له ولد يقومون على رأسه فيمنعون من دنا منه » ، إلى أمثالها الكثير الطيب كلها تدل على كمال ايمانه وعقله وحصافة رأيه وان أردت أن تحيط بذلك خبرا فانظر إلى تاريخ اليعقوبي المتوفى في أواخر القرن الثالث ما ذكر من سننه التي سنها وجاءت بها الاسلام من تحريمه الخمر ، والزنا ووضع الحد عليه ، وقطع يد السارق ، ونفى ذوات الرايات ، ونهيه عن قتل المؤودة ، ونكاح المحارم ، واتيان البيوت من ظهورها ، وطواف البيت عريانا ، و حكمه بوجوب الوفاء بالنذر وتعظيم الأشهر الحرم ، وبالمباهلة ، بمائة إبل في الدية ثم تأمل كيفية سلوكه مع أبرهة صاحب الفيل في تلك الغائلة المهلكة المهدمة كيف حفظ بحسن تدبيره وسديد رأيه قومه ودماءهم وأموالهم من الدمار والبوار دون أي مؤونة وقال : أنا رب الإبل ولهذا البيت رب يمنعه «مع أن الواقعة موحشة بحيث تضطرب في أمثالها قلوب أكثر السائسين ، فإذا كان الامر كذلك فكيف يصح أن يقال : إنه نذر أن يذبح سليله وثمرة مهجته وقرة عينه قربة إلى الله سبحانه ، وأنى يتقرب بفعل منهى عنه في جميع الشرايع والقتل من أشنع الأمور وأقبحها ، والعقل مستقل بقبحه بل يعده من أعظم الجنايات ، مضافا إلى كل ذلك أن النذر بذبح الولد قربانا للمعبود من سنن الوثنيين والصابئين وقد ذكره الله تعالى في جملة ما شنع به على المشركين وقال في كتابه العزيز بعد نقل جمل من بدعهم و مفترياتهم : « كذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون » ( الانعام : ١٣٧ ) وهذا غير مسألة الوأد المعروف الذي كان بنو تميم من العرب يعملون به ، فان المفهوم من ظاهر لفظ الأولاد أعم من الذكور منهم والبنات والوأد مخصوص بالبنات ، وأيضا غير قتلهم أولادهم من املاق أو خشيته ، بل هو عنوان آخر يفعلونه على سبيل التقرب إلى الالهة. فان قيل : لعله كان مأمورا من جانب الله سبحانه كما كان جده إبراهيم (ع) مأمورا ، قلنا : هذا التوجيه مخالف لظاهر الروايات فإنه صرح في جميعها بأنه نذر ، مضافا إلى أنه لو كان مأمورا فلا محيص له عنه