المفعول لا يكون إلا وقد تقدم قبله الفعل من الفاعل ، فلا يكون فعل بين فاعل ومفعول إلا وهو حركات بأدوات وتحيل وتفكر وآلات ، فتعالى عن ذلك ذو المن والجلال والسلطان ، وتقدس عن التحيل والحركات الواحد الرحمن (٨٢) ، الذي كل خلقه له فعل ، الذي إذا أراد أن يكون شيئا كان بلا كلفة ولا عون أعوان ، أمره نافذ كائن ، ومراده لمراد غيره فمفارق مباين.
ومن الحجة على من زعم أن إرادة الله متقدمة لفعله أن يقال له : ألست تزعم أن إرادته متقدمة لأفعاله؟ فإذا قال : كذلك أقول. قيل له : ألست تعلم في صحيح العقول أن ذلك إن كان كذلك أنهما شيئان اثنان ، الإرادة شيء ، والفعل شيء؟ فلا يجد بدا من أن يقول أجل. فيقال له : فأي الاثنين تقدم صاحبه فكان وحدث قبله؟ فإن قال : الإرادة حدثت قبل الفعل. فسواء كان بينهما قليل أم كثير ، فقد أوجب وأدخل بذلك على ربه النية والضمير ، والانطواء على ما لا يجوز في اللطيف الخبير ، ومتى قال بذلك قائل فقد شبه ربه بالمخلوق الزائل ذي الجوانح المضمرات ، والأدوات المتصرفات ، والآراء المتناقلات ، وهذا فإبطال التوحيد ، ونفس الكذب على الواحد الحميد ، ونقض ما نزل في الكتاب المجيد. فإن (٨٣) هو قال : بل الفعل سبق الإرادة. وقد علمنا أن الفعل هو المخلوق فقد قال : إن
__________________
وأنها مفعولات لله عزوجل على الإطلاق ، أي لم يقع عليها فعل الفاعل بعد وجودها إذ هذه يقال لها مفعولات بها كما هو حدها عند أهل العربية ، ولذا قال بعضهم إن السماوات في خلق الله السماوات مفعول مطلق ، فإذا لا يقال لما خلقه الله واخترعه سبحانه مفعول إلا على سبيل المجاز لأنه يتبادر منه المفعول به إذ هو حقيقة فيه ، وهذا المجاز الذي أفاده الإمام صلوات الله عليه من باب الاستعارة المصرحة والعلاقة ما بينهما من المشابهة. فلنتدبر لمدارك هذه العبارات الشريفة وموارد هذه الكلمات الهاديات المنيفة المؤيدة بالتنوير الإلهي والتوفيق الرباني. تمت إملاء المولى العلامة المجتهد / مجد الدين بن محمد بن منصور المؤيدي أيده الله تعالى وجزاه خيرا ، عام ١٣٥٩ ه من هامش (أ).
(٨٢) في (ب) : الواحد المنان.
(٨٣) في (ب) : وإن.