وسنّ لهم الجهاد والاجتهاد ، والأخذ ببرهان الأدلة ؛ غير أهل بيت النبوة ؛ ومعدن الرسالة ، قرناء التنزيل ، وأمناء التأويل صلوات الله وسلامه عليهم.
وقد علم كل ذي علم أنها ما تأسست التقليدات إلا لصد الناس عن العترة المطهرة عن الأرجاس ، المنزهة عن الأدناس ، وهي من البدع المحدثة في الأديان ، التي ما أنزل الله بها من سلطان.
وقد علم أولو العلم أن هؤلاء الأئمة الذين أمروا الناس بتقليدهم ، كانوا من أنصار أئمة العترة ، القائمين بما أمرهم الله تعالى لهم من المودة والنصرة ، وأقوالهم وأفعالهم معلومة ، وحاشاهم عن رفض التمسك بالثقلين وتنكب سفينة النجاة ، وترك المودة لمن أمرهم الله تعالى بمودته ، وألزمهم بموالاته وطاعته ، من أعلام أهل بيت نبيهم الهداة.
قال : المحدث الكبير يحي بن أبي بكر العامري في الرياض المستطابة :
وقد ذكر ابن الجوزي وغيره أن الأئمة المتبوعين في المذاهب بايع كل واحد منهم لإمام من أئمة أهل البيت ، بايع أبو حنيفة لإبراهيم بن عبد الله بن الحسن ، وبايع مالك لأخيه محمد ، وبايع الشافعي لأخيهما يحيى. انتهى المراد.
ومتابعة أبي حنيفة للإمام الأعظم زيد بن علي عليهماالسلام مشهورة.
قال السيوطي في تاريخ الخلفاء صفحة (٢٤٣) طبعة سنة ١٤٠٨ هجرية : وفي سنة (١٤٥ ه) كان خروج محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب إلى قوله : وآذى المنصور خلقا من العلماء ممن خرج معهما ، أو أمر بالخروج ، قتلا وضربا وغير ذلك ، منهم أبو حنيفة وعبد الحميد بن جعفر ، وابن عجلان.
وممن أفتى بجواز الخروج مع محمد على المنصور ، مالك بن أنس رحمهالله. انتهى.
هذا ، فكيف ينسب المبتدعون ذلك إلى ورثة الكتاب والسنة ، وكل إمام منهم عليهمالسلام يدعو إلى كتاب الله وسنة رسوله صلىاللهعليهوآلهوسلم ؛ كلّ من بلغته الدعوة ، ومؤلفاتهم مشحونة بالأدلة على وجوب اتباع الأدلة ، ولكن لا بد لكل مبتدع من دعوى كلمة حق يراد بها باطل ، أو تلفيق شبهة زيغ يستهوي بها الجاهل الغافل ، وهذا هو لبس الحق بالباطل الذي ينهى عنه الملك العادل ، بأمثال قوله عزوجل : (وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْباطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة : ٤٢].