فتبارك من ليس كذلك ، ولا على شيء من ذلك ، بل هو الله الواحد الأحد ، المتقدس الصمد الذي ليس له شبه ولا مثيل ، ولا ضد ولا عديل.
فأما قوله سبحانه : (وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي) [طه : ٤١] ، فإنما أراد بذلك اصطنعتك لي ، وقربتك نجبا مني ، وكذلك قوله : (وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ) [آل عمران : ٢٨] يريد يحذركم عقابه لتخافوه ، وفي كل أموركم تتقوه ، وفي سرائركم تراقبوه ، والقرآن فإنما نزل على العرب بلغتهم ، وخاطبهم الله فيه بكلامهم ، والنفس تدخلها العرب في كلامها صلة لجميع ما تأتي به من مقالها ، وقد تزيد غير ذلك في مخاطبتها ، وما تسطره من أخبارها ، مثل (ما) ، و (لا) ، وغير ذلك ، مما ليس له عندها معنى ، غير أنها تحسن به كلامها ، وتصل به قيلها وقالها ، من ذلك قول الرجل لصاحبه : (أتيتك بنفسي) ، و (أتيتني بنفسك) ، وإنما يريد : أتيتني أنت دون غيرك ، وتقول العرب : (ما منعك ألا تأتيني) ، تريد : ما منعك أن تأتيني ، فأدخلت (لا) صلة لكلامها ، وأثبتتها كذلك في كتابها ، وفي ذلك ما يقول الرحمن الرحيم ، فيما نزل على نبيه من الفرقان العظيم ، من قول موسى عليهالسلام (يا هارُونُ ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) [طه : ٩٢] ، فإنما أراد صلى الله عليه : أن تتبعني ، فأدخل (لا) صلة في الكلام ، ومثل هذا كثير ، فيما نزّل ذو الجلال والإكرام ، من ذلك قوله سبحانه : (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل عمران : ١٥٩] ، وقوله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ) [المائدة : ١٣] ، يريد سبحانه وعظم عن كل شأن شأنه : فبرحمة من الله لنت لهم ، وأراد : فبنقضهم ميثاقهم ، فأتى فيهما ب (ما) صله بغير سبب ولا معنى ، وكذلك وفي مثل ذلك ما يقول الشاعر :
بيوم جدود ما فضحتم أباكم |
|
وسالمتم والخيل تدمى شكيمها |
فقال : ما فضحتم أباكم ؛ وإنما أراد : فضحتم أباكم ، فأتى ب (ما) صلة لغير معنى.
وقال الله ذو الجبروت والإنعام ، يحكي عن نبيه عيسى عليهالسلام في قوله : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) [المائدة : ١١٦] ، يعني صلى الله عليه تعلم غيب أمري وعلانيتي وسري ، ولا أعلم ما غاب من فعلك ولا أطلع إلا على ما اطلعتني عليه من وحيك ، فهذا معنى ما عنه سألت ، لا ما إليه من فاحش القول ذهبت في