الله رب الأرباب ، ومسبب ما يشاء من الأسباب. بل كيف يزعم المشبهون ، ويقول على الله المبطلون ، إن الله جسم وصورة ، وأن فيما ذكروا من الصورة له نفسا تجول فيه من مكان إلى مكان!! وقد يسمعون ويرون ما يقول الرحمن الرحيم ، فيما نزل على نبيئه من الوحي الكريم ، حين يقول جل جلاله ، عن أن يحويه قول أو يناله : (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) [الأنبياء : ٣٥] فما ذا يقولون لو كانت نفسا كما يزعمون تعالى عن ذلك الرحمن ، وتقدس ذو العرش والبرهان ، أتموت وتفوت ، أم لا تموت ولا تفوت ؛ فإن قالوا تموت كفروا ، ومن الإسلام خرجوا ، وعند أنفسهم فضلا عن غيرهم من أضدادهم ومناظريهم افتضحوا ، وإن قالوا : لا تموت ولا تفوت ، قيل لهم : من أين قلتم ذلك ، وكان عندكم كذلك ، وقد تسمعون (١٠٥) ما حتم به الرحمن ، على كل نفس في القرآن ، ولم يستثن في ذلك نفسا له ولا لغيره ، كما استثنى في غير ذلك من قوله : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) [القصص : ٨٨] ، وقوله : (كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ) [الرحمن : ٢٦] واستثنى عند هلاك الأشياء ، أنه الباقي الوارث لكل الأحياء ، واستثنى عند الزوال والفناء وجهه ذو الجلال والبقاء ـ والوجه من الرحمن ، فليس غيره تعالى ذو العزة والسلطان ، ووجهه في اللغة والبيان فهو ذاته بأبين البيان ، فذاته وجهه ، ووجهه سبحانه ذاته ، ليس بذي تحديد ولا أعضاء ، وهو الله الواحد العلي الأعلى ـ ولم يستثن عند هلاك الأنفس وموتها نفسا لخالقها ومدبرها ومشيئها ؛ أفأنتم في قولكم أعلم بالله منه بذاته ، إذ قد نسبتموه إلى غير ما نسب إليه نفسه من صفاته؟! ولو كان كما تقولون ، وإليه في قولكم تذهبون ، إذا لاستثنى نفسه من الأنفس التي تموت وتفنى ، كما استثنى بقاه من الأشياء التي تزول وتبلى ، تعال الله عن ذلك الرحمن الرحيم ، وتقدس الواحد الكريم. فمن أين قلتم إنها له نفس في صورة تبقى ، دون الأنفس التي حتم عليها بالفناء؟ أوجدونا بذلك حجة وتبيانا واشرعوا لنا فيه قولا وبرهانا ، في الكتاب والتنزيل ، والسنة والتأويل ، فلا تجدون ولله الحمد حجة ولا قولا ، ولا تستطيعون إلى إثبات باطل سبيلا ، وكيف
__________________
(١٠٥) في (ب) : سمعتم.