خالقكم الصفات الناقصات الزائلات ، وأزحتم عنه ما وصف به نفسه من البقاء في كل الحالات ، فلا تجدون بدا من أحد هذين المعنيين المحالين الباطلين في الله ، المخالفين ، اللذين تكونون بانتحال أحدهما بالله كافرين ، وفي دينه فاجرين ، ولجميع أهل الإسلام مخالفين ، ومن الإيمان والحق خارجين ، أو ترجعوا إلى قول المحقين ، وتتابعوا في مقالتهم الموحدين ، فتقولوا كما يقولون : إن معنى الوجه في الله سبحانه وتعالى عن كل شأن شأنه هو الله ، وإنه ليس بذي أعضاء ، ولا أبعاض ولا أجزاء ، وذلك فمعروف في العربية ، يعرف كل من فارق لسان الأعجمية ، من ذلك ما تقول العرب : (هذا وجه بني فلان) ، تريد أنه المنظور إليه منهم في كل شأن ، وأنه رجلهم وسيدهم ، والقائم في كل أمر دونهم ، وتقول العرب : (هذا وجه المتاع) ، تريد بذلك أنه أفضل ما يبتاع ، وتقول : (هذا وجه الرأي) ، أي محضه وصدقه ، وصوابه في كل أمر وحقه ، لا أن له وجها كما يعرف من الوجوه المخلوقة في البشر ، المجعولة المقدرة المركبة المصورة ، وفي ذلك وما كان كذلك ما يقول الشاعر :
وقد يهلك الإنسان من وجه أمنه |
|
وينجو بإذن الله من حيث يحذر |
فقال : من وجه أمنه ؛ وليس للأمن وجه ولا صورة ، وإنما أراد أنه يعطب من الوجوه المأمونة عنده المحمودة.
وقال آخر :
فأسلمت وجهي لمن أسلمت |
|
له الأرض تحمل صخرا ثقالا |
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له |
|
المزن تحمل عذبا زلالا |
وقال آخر :
أضحت وجوههم شتى وكلهم |
|
يرى لوجهته فضلا على الملل |
فقال : أسلمت وجهي ، وإنما أراد : أسلمت ديني ، فاستسلمت وقصدت خالقي بكل عملي ، لا أنه أسلم وجهه دون قلبه ، ولا قلبه دون عمله ، ولا عمله دون نفسه وقوله.
ومن الحجة فيما قلنا به من البيان من أن وجهه هو لا بعضه ، في قيم اللغة واللسان ما يقول الشاعر :