إني بوجه الله من شر البشر |
|
أعوذ من لم يعذ الله دمر |
وقال آخر :
إذا معقل راح البقيع وهجرا |
|
أعوذ بوجه الله من شر معقل |
ومما يحتج به أهل اللغة ، وبما قالت في ذلك ، ما يقول العلي الأعلى ، مما بين فيه أن وجهه هو لا بعضه ما يقول : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) [الروم : ٣٩] ، فقال : تريدون وجه الله ، وإنما أراد سبحانه : تريدون الله.
ومن ذلك ما حكى رب العالمين عن خير خلقه أجمعين محمد وأهل بيته الطيبين فيما كان من إطعامهم لمن ذكر الله من الأسير ، واليتيم ، والمسكين ، حين يقول : (إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) [الإنسان : ٩] ، فقال سبحانه : نطعمكم لوجه الله ذي العزة والسلطان ، وإنما أرادوا بذلك الله الواحد العزيز الرحمن. وقال سبحانه فيما نزل من الفرقان : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللهُ جَمِيعاً إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [البقرة : ١٤٨] ، فقال سبحانه : (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ) ، أي : لكل مؤتم وقبلة ، ولم يرد بذلك من القول والخبر ، أنه وجه مصور في صورة من الصور. وقال : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ) [البقرة : ١١٢] الآية ، فقال : (مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ) ، أراد بذلك سبحانه من سلم نفسه لربه ، واستسلم له في جميع أموره ، وأخلص له سبحانه دينه. وقال جل جلاله عن أن يحويه قول أو يناله : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ) [الروم : ٤٣] ، فأمره بإقامة وجهه للدين والإخلاص في ذلك لرب العالمين ، ولم يرد الوجه دون القلب وسائر الأبعاض والأعضاء ، وإنما أراد بذلك العلى الأعلى : أقم نفسك لخالقك وربك ؛ وتأويل : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ) ، فهو : قم بالدين بكليتك لمصورك وجاعلك. وفي ذلك ما يقول الله سبحانه : (وَقالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) [آل عمران : ٧٢] فلم يرد سبحانه فيما ذكر عنهم أن للنهار وجها ، كما يعقل من الوجوه ذوات التصاوير ، التي أمر بغسلها عند الوضوء ، فتقدس عن ذلك العلي الكبير. وقال عزوجل : (ذلِكَ أَدْنى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهادَةِ عَلى وَجْهِها) ، يريد على حقيقتها وصدقها لا أن لها وجها عند جميع الخلق ، غير ما قلنا به من الحقيقة