الأجفان ، بالرأفة منه سبحانه والإحسان ، والعائدة بالفضل على الإنسان ، ليلتئم عند الهجوع مطابقهما ، وتطمئن لذلك علائقهما ، وتريح من الحركة مدامعهما ، ليقوى نظرهما ، ويثقب بصرهما ، ولو كان مكان سواد إطباقهما ناصعا ببياض نطاقهما ، لقصرتا عن بلوغ مناظرهما ، ولعجزتا عن تحديد أبصارهما ، ولكثر إغماضهما ، ولقل إيماضهما. ثم حجب عنهما سبحانه بأجفانهما الأذى ، وأماط عنهما بأشعارهما القذى ، فلما أحكمهما بالتقدير ، وأتقنهما بالتدبير ، غشاهما بالحاجبين ، وأظل بالحاجبين ما استجن من العينين ؛ لعلمه سبحانه بضرورة الناظرين إلى ما ركب من الحاجبين. ثم جعل فيهما من بعد إتقان تدبيرهما شعرا مسودا ظاهرا عليهما ، ليزيد سواده في قوة نظرهما عند استقبالهما لبعد اعتمادهما ، ولو لم يكونا بزينة الشعر مخصوصتين ، وكانتا مما زينتا به محظوظتين ، لنقص من العينين نظرهما ، ولتضوع في أرجائهما نورهما ، ولغشي عن مقر التحقيق بصرهما.
ثم مثل بينهما خالقهما أنفا مستروحا لأنفاسه ، موقوفا لرجعه واحتباسه ، فأقام رسم خده ، وأحسن التصوير في قدسسره ، وجعله هواء معتدلا سواء ، ولو لا ما دبر فيه ، وركبه من الإحكام عليه ، لم يؤد بلطيف اعتباره ، ودقيق اختياره المحسوس إلى قراره ، ولعجز عن بلوغ مدى الاسترواح ، ومستقر غاية الأرواح ، فجعل سبحانه من أصليته ناشرا ، وجعل في سوائه حاجزا ، لتوقيف رجع الأنفاس ، بين العجلة والاحتباس ، قسمه بحكمته ، لتكامل لطيف نعمته.
ثم شق تحت وتر أرنبته ، مسلك ما قدر من أغذيته ، وخلق فمه مؤديا عن منطقه ولفظه ، بين طبقتين خلقهما لحفظه ، فجعله لحما ، وأجرى فيه عروقا ودما ، ولو جعله عصبا قاسيا ، أو فطره عظما جاسيا ، لكان ذلك من الترجمة مانعا ، وعن الجولان بالحركات قاطعا ، فسبحان من جعله معبرا عن ضمائر الصدور ، ومترجما لكل ما تميزه العقول من الأمور ، وركب فيه استطاعة لفظه ، وخصه بالوافر من حظه ، وأجرى فيه
__________________
(١١٣) الحملاق : باطن الجفن. تمت
(١١٤) أرواق العين : جوانبها. ا ه من القاموس.