عذوبة ريقه ، لتمييزه بين مختلف ذوقه.
ثم علق على أقاصيه عقد لهاته ؛ لتعرف بها لذيذ شهواته ، نعمة من الخالق على خلقه ، ليلتذوا بالطيبات من رزقه ، ولو كان موضعها منها عاطلا ، لم يكن الالتذاذ إلى ملتذه واصلا ، ولرجعت مختلفات أنفاسه ، إلى المكنون من أم رأسه.
ثم فتق سبحانه وعظم عن كل شأن شأنه بعد ذلك في مرتقها سمعا ، جمع به محكم الآلات جمعا ، فأدى ذلك إلى العقول عظمة خالقها ، وشملت الجوارح به نعمة جاعلها ، وألبس أرجاء السمع أذنا ، لاستقرار جولان الوحي في محاله (١١٥) ، وازاحة الشك النازل به وإبطاله ، ثم عطف سبحانه أطراف غرضوفهما ، على البواطن من حروفهما ؛ للحوق جولان الأصوات ، ولو لا ذلك لعجزت عن درك القالات ، مع ما ركب من غير ذلك في ظاهره وباطنه من المركبات ، وجعل فيه سبحانه كلما يحتاج إليه الجسم من الآلات والأدوات ، ثم علق في صدره قلبا ، وركب فيه لبا ، ثم جعله وعاء للعقل الكامل ، وحصنا للروح الجائل ، حفظه من مزدحمات الأغذية بانحطاطه ، ورفعه عن مقرها من الجوف بمتعلق نياطه ، فقر بتدبير الخالق في أحصن حصن وأبعده مما ركب ، وجعل في البطن وفوقه من الصدر هواء ، وتحته أدوات ومعا ، فهو مقر لثابت الأنفاس ، متملك لخدمة جميع الحواس ، إن شاء شيئا شئنه ، وإن أباه بلا شك أبينه ، به تنزل مدلهمات الغموم ، وإليه مأوى نوازل الهموم ، وعند انشراحه للشيء يوجد به الفرح والسرور ، وبقبوله تكمل الغبطة به في كل الأمور ، جعله الله آلة للفطن والفكرة ، وفطره الله تعالى على ذلك من الفطرة ، وذلك قول الرحمن ، فيما نزل من الفرقان : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِها أَوْ آذانٌ يَسْمَعُونَ بِها فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج : ٤٦] ، وقال سبحانه وعظم عن كل شأن شأنه : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق : ٣٧)] يقول : إن فيما تقدم من فعلنا ، بمن مضى ممن نزل عليه ما نزل من عذابنا ، لذكرى لمن كان له قلب يعقل به ، ويفهم ويتدبر
__________________
(١١٥) في (ب) : مجاله.