ما يرى من فعلنا ، فيعلم.
وقد يحتمل ويكون معنى قول الرحمن فيما نزل من واضح النور والفرقان : (ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ) [المؤمنون : ١٤)] : هو ما ميز من خلق الأنثى والذكر ، فيكون لما أن كسا العظام لحما جعله من بعد ذلك ذكرا أو أنثى ، فحينئذ بقدرة الله تمت السلالة ، وفيما قلنا به من الخلق ما يقول الله عزوجل في سورة القيامة من خلق الزوجين (١١٦) ، فهذا عندي والله أعلم فأشبه القولين.
ثم نرجع من بعد شرحنا للواحد المؤتلف ، والواحد المنتقل المختلف ، والله فبري من ذلك تبارك وتعالى أن يكون ربنا كذلك.
فنقول : إنه قد يخرج معنى قول القائل : واحد في اللسان ، وفيما يقال به فيه من المعنى والبيان ، أن يكون الواحد من الاثنين المتشابهين في المعنى ، المتقاربين في الصفة والاستواء ، فيقال هذا وهذا مثلان ، وهما إذا ذكرا وقيسا شيئان ، وهما في التشابه والاتفاق واحد بغير ما افتراق. والله سبحانه فعن مشابهة الأشياء كلها أو مشاكلتها فبري ، وعن مناظرة المجعولات فمتعال عليّ.
وقد يخرج معنى الواحد ، فيقال به فيه ، ويستدل به في لغة العرب عليه ، على معنيين :
أحدهما : البائن بالسؤدد والإفضال ، فيقال : هذا واحد في فعله من الرجال ؛ إذا فعل ما لا يفعله غيره ، ويقصر عنه آله وقومه.
والآخر : إثبات الواحد ونفي الثاني ، إذ الواحد لا أول قبله ، والثاني فقبله عدد وبعده. ويخرج معنى قولنا الواحد على أنه لا شبيه له ولا نظير ، ولا كفو صغير ولا كبير ، وهو الله الواحد الأحد الخبير ، فالله سبحانه الواحد في فعله ، الذي لم يصنع أحد كصنعه ، الخالق الذي لا خالق سواه ، كما قال تقدست أسماؤه : (هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقُكُمْ) [فاطر : ٣]. وهو الواحد الذي لم يكن من شيء ، وهو الموجد لكل شيء ، لم يكن سبحانه من
__________________
(١١٦) يعني قوله تعالى : (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) ا ه من هامش (أ).