الله عليه وعلى آله وسلم. يريد أن الكرسي اشتمل على السموات والأرض كما اشتملت الأرض على الحلقة الملقاة في جوفها ، فدخلت السموات والأرض في الكرسي كما دخلت الحلقة في الأرض ، فبطل كل شيء مما خلق الله عزوجل وهلك وغاب ، فذهب من كل عرش وسماء وأرض ، وثبت هذا الكرسي لا غيره ، وكان هذا الكرسي من وراء كل شيء واسعا لكل شيء. فلم يبق عرش ، ولا مخلوق ، ولا سماء ، ولا أرض ، ولا جنة ولا نار ، ولا جن ، ولا إنس ، ولا ملائكة ، ولا هواء ، ولا شيء مما خلق الله عزوجل حتى صار داخلا في هذا الكرسي ؛ لقول الله سبحانه : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) [البقرة : ٢٥٥] ، فكل شيء مما خلق الله سبحانه فقد أحاطت به السموات والأرض وما بينهما ، وهذا الكرسي فقد أحاط بالسماوات والأرض وجميع ما فيهما ، فاعرف هذا الكرسي معرفة جيدة ، وتدبره وانظر فيه نظرا مكررا ، فإني قد كررت لك الوصف فيه لتدبره وتعرفه كيف هو ، وقف على ما وصفت لك فيه وتيقنه فإذا عرفته ووقفت عليه بما وصفت لك سواء فانظر الآن إلى ما ذهبت إليه وما الذي أريد بذكر هذا الكرسي.
اعلم رحمك الله أن هذا الكرسي مثل ضربه الله لعباده ؛ ليستدل به العباد على عظمة الله تبارك وتعالى وإحاطته بالأشياء ، واتساعه لها ، فهذا الكرسي مثل يحكي عن الله سبحانه ، وليس ثم شيء سوى الله عزوجل ، وهذه الإحاطة بجميع الأشياء فإنما هي إحاطة الله عزوجل ، وليس ثم كرسي مخلوق ، ولا شيء سوى الخالق أحاط بجميع ما خلق ، فليس شيء مما خلق الله عزوجل إلا والله سبحانه محيط به ، وليس شيء مما خلق الله بمحيط به ، هو أصغر وأحقر من ذلك إذا لكان الشيء المحيط بالله جل الله أوسع من الله وأكبر منه ، وسأذكر لك في هذا أخبارا ، وأضرب لك فيه أمثالا ، حتى تتحقق في قلبك المعرفة بالله عزوجل ، ويحذف عن قلبك الشك والارتياب.
اعلم رحمك الله أن هذه الفرقة من المشبهة قوم هم عند الله أكذب الكاذبين ، وأخسر الخاسرين ، ولأقسمت يمينا بالله عزوجل صادقا إن الواحد منهم ممن يرى أنه على شيء ليصلي ويصوم ويتنفل ، وإن قلبه ليحكي له بعده من الله تبارك وتعالى ، وإنه لا يتقرب من الله أبدا ، ولا يزداد لكثرة عمله إلا بعدا ، وأن قلبه لنافر من الله سبحانه ؛ لأن القلوب إنما تقر وتهدأ وتطمئن على تحقيق المعرفة ، فإذا عرف اطمأن وهدأ. ونحن فلا نقول : إنهم