جحدوا الله سبحانه ، وذلك أن الله فطرهم على معرفته ، ولكنا نقول : إنهم جهلوا الله وصغروه ، فلهم أصغر صغير ، وأحقر حقير عند الله عز ذكره ، فإذا عرفت الله سبحانه ووصفته بهذه الإحاطة التي ذكرت لك فقد عرفت الله سبحانه حق المعرفة ، ألا تسمع إلى قول الله عزوجل : (وَلا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) [البقرة : ٢٥٥] يخبر عزوجل أنه أعلى وأعظم من أن تحفظه السموات والأرض.
ونحن نقول إن الله سبحانه هو الحافظ للسماء والأرض. وسأصف لك السموات والأرض كيف هما ، وأصغرهما لك على عظمهما ، حتى تعلم أنه لا شيء أعظم من الله سبحانه ، ولا شيء أوسع من الله سبحانه ، فقف على ما أذهب إليه وتدبره.
يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : «هل تدرون ما هذه التي فوقكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. فقال : إنها أرفع سقف محفوظ وموج مكفوف. هل تدرون كم بينكم وبينها؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : إن بينكم وبينها مسيرة خمسين ومائة عام ، وبينها وبين السماء الأخرى مثل ذلك ، حتى عد سبع سماوات ، وغلظ كل سماء مسيرة خمسين ومائة سنة. ثم قال : هل تدرون ما هذه التي تحتكم؟ قالوا : الله ورسوله أعلم. قال : فإنها الأرض ، وبينها وبين الأرض الأخرى مسيرة خمسين ومائة سنة ، حتى عد سبع أرضين ، وغلظ كل أرض خمسين ومائة سنة. ثم قال والذي نفس محمد بيده لو دليتم أحدكم حتى يصير إلى الأرض السابعة السفلى لكان الله عزوجل معه ، ثم تلا هذه الآية : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد : ٣].».
وقد قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه : «لو أن ملكا من ملائكة الله عزوجل الذين عظم الله خلقهم هبط إلى الأرض لما وسعته.» ؛ لأن الله جعل السموات أوسع من الأرض والسماء العلياء من السموات أوسع من السماء السفلى ؛ لأن السماء العليا مشتملة عليها. فانظر إلى هذه السموات والأرضين ما أوسعها وأعظمها ، وسأصغرهما لك الآن في عظمته سبحانه ، حتى تعلم علما يقينا أنه لا شيء أعظم من الله عزوجل ، قال الله في الأرض والسماء : (وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ) [الزمر : ٦٧] ، فمثل الله سبحانه صغر الأرض في عظمته وقدرته كالقبضة في الكف ، فكان في هذا ما يدل على تعظيم الله سبحانه ، وكذلك قال :