وتعالى لا يكذب صادقا ، ولا يصدق كاذبا.
ثم قلنا لهم : أخبرونا عن قول الله تبارك وتعالى : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦] ، أليس إنما أمر العباد أن يتقوا الله ما استطاعوا؟ فإذا قالوا : نعم. قيل لهم : فإن رجلا لم يصل ولم يصم من شهر رمضان إلا يوما واحدا ، أو ركعة واحدة في كل يوم وليلة ، هل كان يستطيع غير ذلك؟. فإن قالوا : نعم ؛ تركوا قولهم. وإن قالوا : لا يستطيع. قيل لهم : أفتأمرونه بالصلاة والصيام وهو لا يستطيع ذلك. فإن قالوا : لا نأمره بشيء من ذلك ؛ فقد أجازوا له ترك الصلاة والصيام. وإن قالوا : بل نأمره وإن كان غير مستطيع ؛ خالفوا القول وردوا كتاب الله ؛ لأن الله يقول : (فَاتَّقُوا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن : ١٦] ، ويقول : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها) [البقرة : ٢٨٦] ، ويقول : (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا ما آتاها) [الطلاق : ٧] ، فقد كلفتموه ما لم يؤته ربه. ثم يقال لهم : أرأيتم إنسانا جلدا قويا صحيحا قال : لست أقدر على أن أصوم من شهر رمضان أكثر من عشرة أيام. ما ذا كنتم تقولون له؟ وكذلك إن قال : لست أقدر على الصلاة؟ فإن قالوا : نأمره بالصلاة والصوم ، ونقول له أنت مطيق لذلك ؛ تركوا قولهم لأنه يقول لهم إنما أمرني الله أن أعبده ما استطعت ، ولست أستطيع غير هذا ، وأنتم تأمرونني أن أتعبد لربي بما لا أستطيع وأعبده بما لا أطيق ، فأيكم أولى أن أقبل قوله أنتم أو ربي ؛ لأن ربي لم يكلفني إلا ما أستطيع ، وأنتم تكلفوني ما لا أستطيع. وإن قالوا له : لا تصم ولا تصل لأنك لا تستطيع كما قلت ، ولو نزل عليك من الله الاستطاعة لفعلت ؛ كانوا قد أباحوا للعباد ترك الصيام والصلاة ، وهذا كفر بالله وشرك.
ويقال لهم : أخبرونا عن قول الله تبارك وتعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً) [آل عمران : ٩٧] ، ما هو السبيل عندكم؟ فإن قالوا : هو أمان الطريق ، وإمكان الزاد والراحلة ، وصحة البدن. قيل لهم : أفرأيتم رجلا كثير المال ، كثير الإبل ، صحيح البدن ، آمن الطريق جلس ولم يحج ، وقال : لم يقض لي بالحج ، ما ذا تقولون له؟ أتقولون : إن فرض الله قد لزمه أو لم يلزمه؟ فإن قالوا : قد لزمه وعليه أن يحج ؛ تركوا قولهم. وإن قالوا : لا يمكنه الحج حتى يقضى عليه به ؛ ردوا كتاب الله ونقضوا قوله ، وخالفوا كل الأمة.