ثم يسألون فيقال لهم : خبرونا عن قول الله تبارك وتعالى : (وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً) [المجادلة : ٣ ـ ٤] ، أرأيتم من حنث في ظهاره ، وكان مؤسرا كثير الرقيق صحيح البدن ، قويا على الصيام ، فقال لا أعتق رقبة ولا أصوم ، ولكني أطعم؟ فقيل له : هذا لا يجوز لك ؛ لأن الإطعام لمن لا يجد عتقا ولا يقوى على صيام. فقال أنا غير مستطيع لذلك ؛ لأن الله لم يقض لي به ، فلست أفعل إلا ما قضى الله لي به من الإطعام ، ما تقولون له؟ فإن قالوا : نقول له : أطعم ولا تعتق ولا تصم ، لأن الله لم يقدره عليك ، ولم يقض لك به ؛ ردوا كتاب الله وخالفوا رسوله. وإن قالوا : بل نقول له : هذا لا يجوز لك ، وقد أوجب الله عليك العتق فأعتق ؛ تركوا قولهم ، ورجعوا إلى الحق.
ومما يسألون عنه يقال لهم أخبرونا عن قول موسى عليهالسلام للخضر : (لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً) [الكهف : ٧٧] ، أتقولون : إنه قال لو شئت وهو لا مشيئة له ، فتخطئون موسى عليهالسلام ؛ أم تقولون : إنه لم يقل إلا الحق وإن الخضر قد كان يقدر أن يفعل. فإن قالوا : لا مشيئة له ولا استطاعة ؛ خطئوا نبي الله وجهّلوه. وإن قالوا : قد كانت له مشيئة واستطاعة ؛ تركوا قولهم ورجعوا إلى الحق.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : أخبرونا عن قول الله عزوجل : (يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً) [النساء : ٦٠] ، أفتزعمون أنهم أرادوا أن يتحاكموا إلى الطاغوت ؛ أم الله أراد ذلك وقضى عليهم به؟ فإن قالوا : إن الله أراد ذلك وقضى به عليهم ، ردوا كتاب الله وخالفوه ؛ لأن الله سبحانه قد نسب ذلك إليهم ، وذكر أنهم الذين أرادوا ذلك ، والمجبرة القدرية يزعمون أن الله أراد منهم أن يتحاكموا إلى الطاغوت دونه ودون رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وإن قالوا : بل هم أرادوا ذلك والله لم يرده ؛ خرجوا من الباطل ورجعوا إلى الحق ، وقالوا على الله بالصدق. فيقال لهم : قد نسمع الله يقول ويذكر أن الشيطان هو الذي أراد أن يضلهم ضلالا بعيدا ، والمجبرة تزعم أن الله أضلهم فالله أولى بالصدق منهم ، والله سبحانه فأصدق الصادقين ، وأبعد الأبعدين من إضلال الضالين ، والمجبرة والقدرية فأكذب الكاذبين على الله