رب العالمين.
ويسألون عن قول الله سبحانه فيقال لهم : أخبرونا عن قول الله سبحانه : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) [المائدة : ٩١] ، أتقولون : إن ذلك من الشيطان كما قال الله؟ أم تقولون إنه من الرحمن؟ فإن قالوا : هو من الشيطان كما قال الله ، وهو قضاء منه وتزيين لا من الله ؛ تركوا قولهم ورجعوا إلى الحق وإلى قول أهل العدل. وإن قالوا هو من الله لا من الشيطان خالفوا في ذلك ، وردوا قول الله ؛ لأن الله يقول : (إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ) [المائدة : ٩١] ، وهم يقولون إنما يريد الرحمن ، وكفى بهذا لمن قاله كفرا.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : خبرونا عن قول الله عزوجل : (وَمَا اللهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ) [غافر : ٣١] ، وعن قوله : (وَما رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت : ٤٦] ، فهل يقولون : إن الله يريد ظلما لأحد من عباده؟
فإن قالوا : لا ؛ تركوا قولهم الذي يقولون به إن الله أدخلهم في المعاصي ، ثم يعذبهم عليها ، ويشقيهم بها. وإن قالوا : إن الله يريد ظلمهم ؛ ردوا كتابه وكفروا به.
ومما يسألون عنه من محكم كتاب الله أن يقال لهم : أخبرونا عن قول الله عزوجل : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَواتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً) [النساء : ٢٧] ، أفليس إنما أراد الله البيان والتوبة والهدى ، وأراد الكافرون الزيغ والردى؟ فإن قالوا : نعم ؛ رجعوا إلى الحق وتركوا قول الباطل وقالوا بقول أهل العدل. وإن قالوا : بل الله الذي أراد الميل وقضى به عليهم ؛ خالفوا الله في قوله فاستوجبوا منه العذاب.
ومما يسألون عنه أن يقال لهم : أخبرونا عن قول الله عزوجل : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) [الأنفال : ٦٧] ، أليس قد أخبر الله تبارك وتعالى أنهم يريدون غير ما أراد ، وأنهم يفعلون غير ما يشاء؟ فإن قالوا : نعم ؛ تركوا قولهم ورجعوا إلى العدل. وإن قالوا : إنهم لا يشاءون إلا ما يشاء الله ، ولا يريدون إلا ما أراده ؛ خالفوا الله في قوله ؛ لأن الله قد أخبر أنهم يريدون الدنيا ، وأنه يريد الآخرة ، والدنيا غير الآخرة ، فكذلك إرادة الدنيا غير إرادة الآخرة ، ومن زعم أنهم أرادوا ما أراد الله ، فقد زعم أنهم أرادوا الآخرة ، وفي ذلك