١٧٨ ، الطبعة الثالثة] بعد تعديده مؤلفات الإمام الهادي عليهالسلام ما لفظه : «قلت فانظر إلى هذا مع اشتغاله بإظهار الدين الحنيف ، وضربه بذي الفقار رءوس أهل الزيغ والتحريف ، وقد كان ابتداؤهم في التأليف من عصر الوصي عليهالسلام ، فقد كانوا يكتبون ما يمليه عليهم من العلوم الربانية والحكم البالغة التي خص الله بها أهل هذا البيت الشريف ، ومؤلفاتهم بين ظهراني الأمة قد ملئوها بحجج العقول ، وأكدوها بصحاح المنقول ، أما التوحيد والعدل فإمامهم فيه والدهم الوصي ، الذي خطب به ، وبلغ الخلق على رءوس المنابر ، ولقنه أولاده الوارثين له كابرا عن كابر ، وأمّا سنّة جدهم فمن باب المدينة دخلوا ، وصاحب البيت أدرى بالذي فيه ، ولقد حفظ بعضهم عن باقر علم الأنبياء محمد بن علي سبعين ألف حديث.
وأما علوم اللغة فمنها ارتضعوا ، وفيها دبّوا ودرجوا ، ومن زلالها كرعوا ، يتلقونها أبا عن أب ، لم تدنسها ألسنة العجم ، ولا غيرتها تحاريف المولّدين ، بل تربّوا في حجور آبائهم الطاهرين ليس لهم همّ إلا تعريفهم ما أنزل الله من الفرائض ، وتبيين ما ضل عن الخلق من الغوامض ، لم يكن بينهم وبين أبيهم أمير المؤمنين ، وأخي سيد المرسلين ـ من كلامه فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق ، من احتذت على آثاره فصحاء الأمة ، واقتبست من أنواره بلغاء الأئمة ـ إلا إمام سابق ومقتصد لاحق ، وهم العرب الصميم ، وأرباب زمزم والأباطح والحطيم ، فلو لا أن ما نقلته النقلة من أهل اللغة موافق لكلام الله وكلام رسوله ، وأهل بيته لما قبلناه منهم ، ولما أخذناه عنهم ، فهو معروض على هذه الأصول الحكيمة ، والقواعد الراسخة القويمة ، ومن له عناية في اقتفاء آثار أهل بيت نبيه أمكنه أن يأخذ من كلامهم متون اللغة وإعرابها ، وتصريفها ، ومعانيها ، وبيانها ، وبديعها ، وتأليفها ، وحقائق التأويل ، وطرائق التنزيل ، فلم يأتمنهم الله على دينه إلا وهم أهل لحمله وتلقينه ، (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤].» انتهى.
ومن هنا يظهر لنا سبب تفرّق الأمة ، وأنه تركها لقادتها ، واتباعها لغيرهم ، بل وقتلهم إياهم ، وتشريدهم وتطريدهم. ومن خالف دليله أو قتله في وسط المفازة المغوية ضلّ بلا شك ولا ريب ، وقد أنبأنا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن التمسك بهم أمان من الضلال. ويظهر أيضا السبب الذي يمكن للأمة لو تركت الأهواء أن تتوحد حوله ، لا ما