قضائه وإرادته ومشيئته ، وأن كل عامل عمل منه شيئا فبأمر الله ورضاه وإرادته.
فيا سبحان الله!! ما أعجب هذا من قول وأشنعه! وأحمق من زعم أن أحدا ما (١٨١) يعمل شيئا مما ذكرنا لله عاص! وما أجهل من ذكر المعصية!
كيف تكون المعصية عندهم؟ ومن صلّى ومن زنا كلاهما مطيع لله ؛ قضى لهذا بالصلاة ، وقضى على هذا بالزنا. فكل من عمل شيئا من الأشياء حسنا أو قبيحا ، إيمانا أو كفرا ، أو غيرهما من الأشياء كلها ففاعل ذلك الشيء مؤد لأمر الله وقضائه ، مستعمل نفسه في أداء مشيئته وإرادته. فليس على وجه الأرض عاص ، ولا تعرف المعصية من الطاعة ، ولا يعرف من يقع عليه اسم الطاعة ، ولا اسم المعصية ، ولا من يستحقه.
وكيف يكون من سعى في إرادة الله عاصيا؟! لا يعرف هذا الكلام في شيء من لغة العرب ولا العجم ، ولا اسم المعصية التي ذكرها الله في كتابه ، وسمى قوما عصاة ، وسمى من عمل به عاصيا ، وبطل كل ما جاء في الكتاب من ذكر ذلك ، على قولهم وقياسهم ، وكل ما جاء لغير معنى ؛ إلا أن تكون المعصية غير هذه الأشياء كلها التي نعرفها ونعقلها ، مكنونة عند الله لم يبينها لنا ، ولم يشرحها ولم يدلنا عليها ؛ غير أنه قد حذرنا العصيان ولم يعرّفناه ، وعرفناه وعرفنا الإحسان والطاعة وحدهما. فنحن للعصيان منكرون ، إذ كان أكبر الفواحش هي التي عددنا ، وهي عند أهل القبلة أشد الكفر ، وقد سموها جميعا كبائر من العصيان والذنوب.
وزعم هؤلاء أن الله شاءها وأمر بها وأرادها ، فما كان سواها وسوى ما سموا كبائر فأمره أقرب وهو أهون ، ولا يرى معصية ولا عاصيا ؛ إذ كان ما كان مضادا لما ذكرنا من الصلاة والصيام ، والحج والإيمان ، وجميع أعمال البر الله شاءها وقضاها وأمر بها ، فلا ترى بين المنزلتين فرقا ولا عنهما تأخرا ، كلاهما فرض ، وكل من عمل شيئا من الفعلين فهو لله مطيع ، والله بفعله راض ، وليس على وجه الأرض لله عاص ، كلا الفريقين مجتهد في أداء ما فرض الله عليه. فلا بد لمن قال بهذه المقالة أن يبين المعصية ، أين هي؟ وإلا فهو مبطل
__________________
(١٨١) هكذا في (أ) ، وفي (ب) : مما.