والاستطاعة ليركبوا بها طبقا عن طبق ، تفضلا منه عليهم ، وإحسانا منه إليهم ، وإكمالا للحجة فيهم وعليهم لئلا يكون لأحد على الله حجة بعد رسله ، وما شرع من فرائضه ، وما دعا إليه من طاعته ، وحذر من معصيته ، وذلك قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) [النساء : ١٦٥].
ومن أكبر عجائبهم أنهم يزعمون أن الله تبارك وتعالى قضى على العباد بالمعاصي قضاء حتما لا يمكنهم الخروج من ذلك القضاء ، وقدره عليهم وشاءه لهم ؛ ثم زعموا مع هذا القول أن محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم أرسل إلى الناس كافة ، وأن كل ما أمر به أو نهى عنه من تحليل شيء أو تحريم آخر لله رضى وطاعة ومرادا ومشيئة ، إذ رجعوا فأكذبوا أنفسهم وطعنوا على نبيهم فزعموا أن جميع ما نهى الله عنه قضاء ومراد ومشيئة.
فانظر ـ يا بني ـ ما بين هذين القولين من التناقض والعمى والحيرة ، بينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم يحث على طاعة الله والقيام بأمره والأداء لفرضه ، إذ صار ينهى عن جميع ذلك.
وانظر إلى ما هو أعجب من هذا ، قولهم في إبليس ـ لعنه الله ـ يزعمون مرة أنه لله عاص وعليه مفتر ، بل (١٨٤) قد افترض عليه ذلك في كتابه وعلى لسان نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وتارة يزعمون أن إبليس لله ولي يدعو إلى قضائه في معنى قولهم ، وما تلزمهم إياه الحجة. وإن كانوا غير مصرحين بولايته لله غير أنهم زعموا أن جميع الفواحش التي يدعو إليها إبليس شاءها الله وأرادها ، ومن كان إلى طاعة الله ومشيئته ومراده داعيا (١٨٥) ، فهو ولي لله مطيع ، فمرة (عندهم إبليس مطيع ، ومرة) (١٨٦) عدو مفتر.
وانظر أيضا إلى هذا التمييز وهذه العقول التي جعلوا بها سبيل محمد وسبيل إبليس سواء ، حتى جعلوا الصفة فيهما واحدة متشابهة كلاهما ، وهو عندهم يدعو إلى قضاء الله
__________________
(١٨٤) في (ب) هنا زيادة : قد افترى.
(١٨٥) سقط من (ب).
(١٨٦) سقط من (ب).