السمع والبصر والأفئدة؟! بل ذكر ذلك كله عن نفسه ، وأضاف فعله إليه بأسره ، فقال : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ) [ق : ٤٣] ، ولم يأمرهم أن يموتوا ولا بأن يحيوا. وقال سبحانه إخبارا عمن سلف ، وتوقيفا واحتجاجا على من جاء بعدهم وخلف : (وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَأَبْصاراً وَأَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللهِ وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) [الأحقاف : ٢٦] ، فقال : (جَعَلْنا لَهُمْ) ، ولم يقل : اجعلوا ولا تجعلوا. ثم قال : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ) ، فأراد سبحانه منهم إذ فعل لهم الأسماع (٢٠٥) أن يفعلوا هم الاستماع بها (٢٠٦) ، فيستمعوا (٢٠٧) ما جاء به الرسول من أخبار من هلك من قبلهم ، وإنذار من أنذر ممن هو أشد منهم بطشا فلم يقبل الهدى فأهلك ، قال سبحانه : (وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق : ٣٧] ، فأراد إذ فعل لهم سمعا أن يسمعوا به أخبار من نزل به ما نزل ، فينتهوا ، ويسمعوا لرسله ويطيعوا ويسلموا للحق ويجيبوا ، وكذلك إذ فعل لهم أبصارا أراد أن يبصروا بها إلى ما خلق من السماوات والأرض وأنفسهم وما ذرأ وبث ، فيعلموا أن لهذا خالقا ومدبرا فيؤمنوا ، وكذلك الأفئدة أراد بجعلها لهم إذ أوجدها فيهم أن يفكروا ويدبروا فيعتبروا ويميزوا فيهتدوا ، ولو كان سبحانه وتعالى عن ذلك المتولي لفعل أفعالهم لم يحتاجوا إلى الإسماع (٢٠٨) والتبصير والتفكير ، إذ كان الله المتولي لإنفاذ ما أرادوا ، والممضي دونهم لكل فعل منهم ، ولم يقل عزوجل : (فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَلا أَبْصارُهُمْ وَلا أَفْئِدَتُهُمْ) ،
__________________
(٢٠٥) في (ب) : السمع.
(٢٠٦) سقط من (ب).
(٢٠٧) في (أ ، ج) : فيسمعوا.
(٢٠٨) في (ب) : الاستماع.