رَبَّهُ) [البينة : ٨] ، وكما قال : (لا يَمَسُّهُمْ فِيها نَصَبٌ وَما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ) [الحجر : ٤٨] ، وأخبر أن من دخل جنة المأوى غير خارج منها أبدا ، وأنه لن يذوق بعد دخوله إياها نصبا ولا شقاء ، وقال عزوجل إخبارا منه أنه لا يدخل الجنة إلا المطيعون المجازون من العالمين ، فقال : (فَأَمَّا مَنْ طَغى وَآثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى وَأَمَّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى) [النازعات : ٣٧] ، فأخبر سبحانه ، أن الجنة لا يدخلها إلا من اتقى وتقدم منه العمل بالحسنى ، فأولئك الذين تزلف لهم الجنة ، قال الله تعالى : (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ ادْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) [ق : ٣١].
وأما ما سأل عنه من قول الله : (فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ) ، ومن قوله : (مِنْها خَلَقْناكُمْ وَفِيها نُعِيدُكُمْ وَمِنْها نُخْرِجُكُمْ تارَةً أُخْرى) ، وما توهم من ذلك أن هذه الأرض التي خلق منها آدم هي أرض الجنة وعرصتها ، وأن كل العباد راجع إليها ، فليس ذلك كما توهم ولا كما قال ، وإنما عنى الله بكل ما ذكر من هذه الأقوال هذي الأرض التي منها خلقوا وفيها يدفنون ومن أجداثها يبعثون ، قال الله تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً أَحْياءً وَأَمْواتاً) [المرسلات : ٢٥] ، وقال سبحانه : (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ) [ق : ٤٤].
وأما ما سأل عنه ، فقال : ما كانت إرادة الله في آدم وزوجته؟ أيخلدان في الجنة؟ أم أراد أن يخرجا منها ويهبطا عنها؟
فإنا نقول : إن إرادة الله في وقت خلق آدم وزوجته سكناهما في الجنة ومقامهما ، وإن إرادته وحكمه عند ما كان من غفلتهما واستزلال الشيطان لهما حتى كان منهما ما كان من معصيتهما لسبب الغفلة والنسيان لما عهد إليهما ربهما من اجتناب الشجرة التي عنها نهاهما ـ فطلبا البقاء والحياة والاستزادة من العمل الصالح ، ورجوا أن يخلدا ، فيزدادا طاعة