لربهما وتكثر عبادتهما لخالقهما ، فغوى (٢٢٠) صلى الله عليه ، في الشجرة ناسيا ، ولم يكن ذلك عن مباينة لله بالعصيان ، ولا عن قلة معرفة بما يجب للرحمن ، قال الله تبارك وتعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) [طه : ١١٥] ـ فلما أن كان ذلك منهما أراد الله أن يهبطهما من الجنة التي كان قد كفاهما فيها لباسهما وقوتهما ، فأخرجهما منها إلى غيرها من الأرض ، وبدلهما بالراحة تعبا ، وبالكفاية للمئونة طلبا وحرثا وزرعا. فكانت إرادته في وقت إيجادهما : الكفاية لهما ، وفي وقت نسيانهما : ما حكم به من إخراجهما وإهباطهما منها إلى غيرها. فالهبوط فهو القدوم من بلد إلى بلد ، تقول العرب : هبطنا من بلد كذا وكذا إلى بلد كذا وكذا ، وهبطنا عليك أرضك ، وقال الله المتقدس الأعلى فيمن كان مع عبده ونبيه موسى ، ممن كان ينزل عليه المن والسلوى ويظلل بالغمام ويسقى زلال الماء ، فطلبوا وسألوا التبدل (٢٢١) بذلك مما هو أقل وأدنى ، فقالوا : (يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَقِثَّائِها وَفُومِها وَعَدَسِها وَبَصَلِها قالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْراً فَإِنَّ لَكُمْ ما سَأَلْتُمْ) [البقرة : ٦١] ، (فقال : اهبطوا مصرا ، أي اقدموا وانزلوا مصر تجدوا فيه ما سألتم) (٢٢٢) من هذه الأدنى. فأراد سبحانه أن يسكنها آدم أولا ، ويخرجه منها آخرا ، كما شاء أن يسكن ذريته الدنيا ثم يخرجهم منها إذا شاء إلى الآخرة ، وكما شاء وأراد أن يصلي له نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى بيت المقدس ، ثم شاء أن ينقله عنه إلى ما هو أعظم ، فينقله إلى بيته الحرام المكرم ، كما شاء سبحانه أن يفترض على أمة موسى من الفرائض المشددة والأمور المؤكدة ، فافترض ذلك عليهم ، ولم يرض منهم بسواه من ذلك ما حرم عليهم من المآكل من الشحوم اللذيذة وغيرها ، وما حظر عليهم من صيد البحر في يوم سبتهم ، حتى كانت الحيتان يوم السبت تأتيهم وتظهر لهم وتكثر عندهم وتشرع قريبا
__________________
(٢٢٠) في الأصل : فهوى ، والمثبت من (أ) ، وذكر الأصل : فهوى.
(٢٢١) في (أ) : البدل.
(٢٢٢) ساقط من (ب).