منهم امتحانا من الله لهم ، فكانوا لله في تركها مطيعين ، وكانوا عنده على ذلك مكرمين ، ثم عتوا من بعد ذلك وفسقوا ، وخالفوا فتصيدوا ، فأخذهم الله (٢٢٣) بذنوبهم فجعل منهم القردة والخنازير ، فقال سبحانه في ذلك : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) [الأعراف : ١٦٣] ، ثم أراد الله التخفيف عن عباده فبعث فيهم عيسى صلى الله عليه ، فأحل لهم بعض ما قد حرم عليهم ، قال الله تعالى يخبرنا عما جاء به عيسى وقاله مما أمره الله به جل جلاله حين يقول : (وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ إِنَّ اللهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ) [آل عمران : ٥٠] ، ثم أراد التخفيف عنهم ، والنقل لهم إلى أفضل الأديان ، إلى دين أبيهم (٢٢٤) إبراهيم الأواه الحليم ، فبعث محمدا صلىاللهعليهوآلهوسلم بذلك ، فصدع بأمر ربه ، وأنفذ ما أرسل به ، فكان ذلك إرادة من بعد إرادة ، ومتعبدا من بعد متعبد ، فصرف الله فيه العباد ، فتبارك الله ذو العزة والأياد.
وكذلك حكم على من عصاه بالمعصية ، فإن تاب حكم له بالطاعة ، وإن عاد فعصى حكم عليه بما حكم على أهل الردى ، وإن تاب وأناب إلى الله وأجاب ، حكم له بالهدى والثواب.
فهذه أحكام من الله وإرادات ، أراد الله سبحانه أن يتصرف في المخلوقين على قدر ما يكون منهم من العملين ، فقال جل وعز : (مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَساءَ فَعَلَيْها ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) [فصلت : ٤٦].
وأما ما ذكر من العلم ، وأن (٢٢٥) العلم لا يخلوا من أن يكون الله العالم بنفسه ويكون العلم من صفاته في ذاته لا صفته لغيره ، أو يكون العلم غيره. فمن قال : إن العلم غيره ؛
__________________
(٢٢٣) غير موجودة في (ب).
(٢٢٤) سقطت من (أ ، ج).
(٢٢٥) هكذا في الأصل ولعل الصواب : فإن العلم ؛ لأنه من هنا من كلام الإمام عليهالسلام.