فقد جعل مع الله سواه ، ولو كان مع الله سواه ، لكان أحدهما قديما والآخر محدثا ، فيجب على من قال بذلك أن يبين أيهما المحدث لصاحبه. فإن قال : إن العلم أحدث الخالق ؛ ، كفر. وإن قال : إن الله أحدث العلم ؛ فقد زعم أن الله كان غير عالم حتى أحدث العلم ، ومتى لم يكن العلم فضده لا شك ثابت وهو الجهل ، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. وإن رجع هذا القائل الضال إلى الحق من المقال ، فقال في الله بالصدق تبارك وتعالى ذو الجلال ، فقال : إنه العالم بنفسه الذي لم يزل ولا يزول ، وإنه الواحد ذو الأفعال ، وإنه لا علم ولا عالم سواه ، وإنه الله الواحد العالم ؛ وجب عليه من بعد ذلك أن يعلم أن كل ما نسبه إلى العلم فقد نسبه إلى الله ، وسواء قال : أدخله العلم في شيء ؛ أو قال : أدخله الله فيه وحمله سبحانه عليه ؛ فالله عزوجل بريء من ظلم العباد ، متقدس عن أفعالهم ، فأفعالهم بائنة من فعله ، وأفعاله بائنة من أفعالهم ، لم يحل بين أحد وبين طاعته ، ولم يدخل أحدا في معصيته. فعلم الله بما يكون من أفعال عباده فغير أعمالهم ، ولم يضطرهم إلى عمل في حال من حالاتهم ، فالعلم بهم محيط فهم متصرفون (٢٢٦) فيه ، وينتقلون من معلوم إلى معلوم بما ركب فيهم من الاستطاعة والقدرة ، قد علم ممن عصاه أنه سيعصي ، وأن من تاب فقد علم أنه سيتوب ، وإن عاد فقد علم أنه سيعود ، وليس علمه بأنه سيختار المعصية أدخله في العصيان ، لأن ضده قد يكون من العبد وهو التوبة والإحسان ، فكيف يجوز على الواحد الرحمن أن ينقل من عباده أحدا من رضاه إلى سخطه ، إذا لقد جبره على معصيته ، ولو جبره عليها إذا لما كان بد للعبد من الدخول فيها ، ولو دخل العبد فيما أدخله ربه فيه لوجب له الثواب عليه ، ولكان لله من المطيعين ، إذ هو جار على مشيئة رب العالمين ، ولما كان في الخلق عاص ، ولكان الله عن كلهم راضيا ، ولكان في القياس إبليس عند الله مرضيا إذ هو يجب أن (٢٢٧) يدعوا إلى ما شاء الله لعباده ورضي ، ولما ذمه في التكبر والعصيان ؛ إذ الحامل له والمدخل له فيه الرحمن ، ولمّا قال : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ) وهو
__________________
(٢٢٦) في (ب) : يتصرفون.
(٢٢٧) في (ب) : أبدا ، وعبارة (أ) : يجب أبدا ويدعو.