(وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) [آل عمران : ٩٧] (٢٨٢) ـ والسبيل فهو الجدة مع صحة الأبدان من مانعات حوادث الأزمان ـ فعند المقدرة والسلامة والأمان يجب فرض الحج على كل إنسان ، وهذا في أصل قولكم ، وما تذكرونه من رأيكم بما قد حوى وأخذ من المال الحرام مستطيع لحج بيت الله الحرام ، قادر على ذلك بما أخذ من أخيه وأخرجه بالغصب والغلبة له من يديه ، إذ تزعمون أن كل ما أخذ وأكل وشرب ولبس فهو رزق مقسوم ، ومن الله جل جلاله عطاء لعباده معلوم. وقال الله سبحانه : (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [البقرة : ٤٣] ، فلا يشك أن الزكاة تجب فيما رزق الله العبيد من رزق إذا بلغ ما تجب فيه الزكاة وتقع ، فليتصدق وليقرض الله قرضا حسنا مما في يديه ، فإن الله يقول : (إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقاتِ وَأَقْرَضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ) [الحديد : ١٨] ـ ولن يقبل الله إلا الحلال ، ولن يضاعف إلا لمن أنفق مما ملك من الأموال ـ فإن كان هذا له من الله عطاء فأمروه فلينفذ ما أمره الله به ، وليؤد ما عليه فيه ، وانهروا (٢٨٣) عنه المطالب له به ، الذي أخذه غصبا من يديه ، واستأثر به عليه.
وإن قلتم : لا يجب عليه فيما في يديه من هذا المال المغضوب حق ، ولا يلزمه فرض ؛ وأوجبتم على أنفسكم أخذه من يديه ورده على صاحبه ؛ وقلتم : لا يكون إلا ذلك ، والحق كذلك ؛ فقد أزلتم عنه ملك ما غصب ، وحرمتم عليه منه ما أكل ، وأقررتم أن ما أخذ من ذلك فأكله وشربه ليس له من الله رزقا ، ولا نائلا ، ولا عطاء ، وأن عليكم أن تأخذوا ما في يديه من المال فتردوه إلى من كان له من الرجال ، وتضمنوه ما أتلف منه ، وتوجبوا عليه إن كان أخذه من دار أو بيت أو حرز أو قرار ما أوجب عليه الواحد الجبار من القطع ، فإنه يقول سبحانه : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما) [المائدة : ٣٨]. فيا سبحان الله! ما أبين الحق وأنور الصدق! فلو كان الله رزقه ما أكل مما سرق وغصب لما
__________________
(٢٨٢) وفي (ب) : تقف الآية عند : (سَبِيلاً).
(٢٨٣) في (ب) : وازجروا.