وضلوا ضلالا بعيدا.
ثم قال جل جلاله ، وصدق في كل قول مقاله : (يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ) [النساء : ١١] (٢٧٩) ، فحكم للأنثى بجزء وحكم (٢٨٠) للذكر بجزءين ، ثم قال : (فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَواهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ). فما يقول من ضل وعمي ، وحار وشقي إن وصيّ تعدى ، وفي المخالفة تردى ، فحرم بتعديه الوالد ، ومنع من ميراث أبيه الولد ، وأخذ ذلك فأكل به واكتسى وشرب ، وتزوج ولهى ، هل يكون ذلك عندهم له من الله رزقا رزقه إياه؟ وقد يسمعون حكم الله به للورثة دون من أخذه واصطفاه. فقد أبطلوا بذلك حكم الرحمن ، ونقضوا ما نزل سبحانه في الفرقان. وإن قالوا : بل أخذ ما ليس له حقا ، وأكل من ذلك ما لم يجعله الله له رزقا ؛ كانوا في ذلك بالحق قائلين ، وعن قول الباطل والمنكر راجعين.
ثم يقال لهم : ما تقولون فيمن غصب مالا فأخذه ، وتعدى فيه وسرقه ، فأكله حراما وشربه ، أتوجبون عليه الزكاة فيه؟ أم توجبون رده إلى صاحبه عليه؟ فقد يجب عليكم في قياسكم وقولكم أن تقولوا : إنه رزق له ، رزقه الله إياه وقدره له ، ولو لا ذلك لم يأخذه ولم يقدر على أكله وشربه ، ولا على الانتفاع به. فإن كان كما تقولون وإليه تذهبون أن كل ما غصب (٢٨١) غاصب أو أخذه من المال آخذ غصبا ، فهو من الله له بتقدير وعطاء ورزق ، فلن يجب عليه أبدا رده ، ولا أن ينازعه فيه ضده ، بل هو أحق به من كل مستحق ، وهو له ملك بتمليك الله له إياه وحق ، فأمروه فليؤد ما أوجب الله على أهل الأموال في الأموال من الزكاة والحج والإنفاق في سبيل الله والإفاضة على كل من سأله ورجاه. ألا تسمعون كيف يقول الله ذو الجلال وذو القوة والقدرة والمحال ، حين يقول :
__________________
(٢٧٩) وفي (ب) : يقف نص الآية عند : (مِمَّا تَرَكَ).
(٢٨٠) غير موجودة في (ب).
(٢٨١) في (ب) : غصبه.