ولا طلبة في ذلك يطلبونها. بصرهم وهداهم ، وركب فيهم ما كفاهم ، وبعث إليهم المرسلين مبشرين لهم ومنذرين ، فأمروهم ونهوهم ، وعذابه حذروهم ، وإلى ثوابه دعوهم ، وأروهم عجائب الآيات ، واحتجوا عليهم بالدلالات : (لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ) [الأنفال : ٤٢].
فهذا قولنا في ربنا ، وشرحنا لما احتج به سبحانه علينا.
فإن قالوا وبما ندفعه ـ إن شاء الله بحقنا ـ تعلقوا : ألستم تزعمون ، وبغير شك تقولون : إن الله قسم العقول بين خلقه ، وجعلها لهم حجة فيهم ، نعمة أنعم بها عليهم ، وأيادي أكملها لديهم ؛ ثم تقولون إنه افترض عليهم فروضا فجعلها عليهم كلهم شرعا سواء ، إن أدوها أثيبوا ، وإن تركوها عوقبوا ؛ ثم تقولون ونقول : إن ذلك لا ينال إلا بالعقول ، وقد نرى اختلاف العقول في الناس أجمعين ، فنعلم أنهم فيها متفاضلون ، وأن ليس هم فيها على القسمة متساوين ، فأين ما تحوطون من عدل رب العالمين ، وقد ساوى بين عباده فيما افترض عليهم ، وجعل ذلك سبحانه سواء فيهم ، ثم فضل بعضهم على بعض فيما لا ينال أداء ما فرض من الطاعات ، ولا يوصل إلى تمييز شيء من شيء إلا به من الآلات ، من العقل الرصين ، والفهم المبين؟
قلنا لهم : قد سألتم ، فاسمعوا ما به أجبتم. فكذلك بالعدل على الله نقول ، وفي كل أمرنا فيه سبحانه نحول ، وسنبين لكم إن شاء الله الجواب ، ونشرح لكل ما تتكمهون فيه من الارتياب ، ونختصر ذلك لكم بما يقر في أفهامكم ويثبت ، إن كنتم للحق طالبين مريدين في ألبابكم.
فنقول : إن الله تبارك وتعالى افترض على خلقه فروضا ، وأوجب عليهم سبحانه أمورا ، ثم أعطاهم ما بأقل قليله ينال أداء ذلك من الآلات ، ويقتدر على أدائه متى قصد من الساعات. فجعل في أقلهم عقلا من العقل ما ينال بأقل قليله تمييز ما أوجب الله عليه تمييزه ، والإحاطة بما أوجب عليه الإحاطة به من معرفته ، والإقرار بوحدانيته ، والأداء لكل فرائضه. فساوى بين عباده فيما إليه يحتاجون ، وله في فرائضه يستعملون ، ثم زاد بعد أن ساوى بينهم في الحجة من شاء فضاعف له العطاء والكرامة ، وزاده في العقل والسلامة ، كما زاد بعضهم بسطة في العلم والجسم ، فليس لأحد على الله في ذلك حجة ، إذ قد أنالهم