من ذلك أكثر من البغية لئلا يكون للمخلوقين عليه حجة فيما فضل به بعضهم على بعض من الجلد والطول والجمال والهيئة والكمال والبياض والفصاحة ، فكل ما أدخلتم علينا (٢٨٦) فيما فضل الله به بعض الخلق من العقول ، فواجب عليكم لنا أن تجيبونا به فيما بين البياض والسواد والقصر والطول حذو المثال بالمثال ليس لكم ـ والحمد لله ـ عنه تحرف ولا انتقال إلا بأن ترجعوا إلى الصدق ؛ فقد بان لكم ـ والحمد لله ـ الحق ، فاتقوا إملاء الشيطان وتسويله وإغوائه وتخييله ، ولا تكونوا من الذين قال الله فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلى لَهُمْ) [محمد : ٢٥] ، وسنضرب لكم بقوة (٢٨٧) الله وحوله في ذلك مثلا يبين لكم أموركم ، ويخامر نور حقه ضميركم وصدوركم.
أرأيتم رجلا له بيتان من حشيش ، وله غلامان ، فدفع إلى أحد غلاميه شمعة واحدة متوقدة ، ودفع إلى الآخر ثلاث شمعات ، ثم قال لهما : ليحرق كل واحد بما معه ما في أحد هذين البيتين من الحشيش ، فهل ترون لصاحب الشمعة الواحدة المتوقدة الملتهبة على مولاه حجة في أن أعطى صاحبه ثلاثا وأعطاه واحدة ، فيقول : لا والله ما أقدر أن أحرق بيتا من حشيش بهذه الشمعة الواحدة ، فأعطني ثلاثا مثل صاحبي ، وإلا فلا حلية لي في إحراقه؟
وقد يعلم كل ذي عقل سوي من رشيد أو غوي ، أن الذي يكفي هذا الحشيش من هذه الشمعة لفحة واحدة ، وأنه ومن معه ثلاث شمعات ، وعشر واحد في القدرة على إحراق ما أمر بإحراقه ، وإنفاذ أمر سيده فيه ، فهل تقولون لسيده : كلفته وصاحبه إحراق بيتين من حشيش متساويين ، ثم كلفته إحراقه بشمعة واحدة ، وكلفت صاحبه إحراق بيته بثلاث ، فأعطه ثلاثا ، وإلا فقد كلفته ما لا يناله بهذه الواحدة ولا يطيقه ، فأنت له في ذلك ظالم ، وعليه بفعلك هذا متحامل.
أم تقولون للعبد : أنت مخطئ في فعلك ، جاهل في قولك ، فأنت تنال بهذه الشمعة من
__________________
(٢٨٦) في (أ) : عليه.
(٢٨٧) في (ب) : بقدرة.