تمت مسألته
جوابها :
وأما ما سأل عنه من قول الله في المنافقين ، وما ضرب لهم من المثل في قوله : (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُماتٍ لا يُبْصِرُونَ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لا يَرْجِعُونَ) ، فقال : ضرب مثلهم ؛ ثم جهل فقال : خلقهم وكفرهم ؛ فرجع عن الحق الذي نطق به في أول كلامه حين يقول : ضرب مثلا. ثم قال : هل يستطيعون سماع الهدى ، وقد وصفهم الله جل ثناؤه بالصمم والعمى؟
فقولنا في ذلك : إن الله جل وعلا ، لم يخلقهم كذلك ، ولم يجعلهم عميا ، ولا عن سماع الخير والتقى صما. وإن الله تبارك وتعالى ضرب لهم هذا مثلا ، فقال سبحانه : إن هؤلاء الذين أتاهم الهدى ، وكشف لهم عن الحق الغطاء فأنار لديهم ، وثبت في صدورهم ، وأيقنوا أنه من عند خالقهم ، فكفروا بربهم ، وخالفوا أمر نبيهم ، وآثروا ظلمتهم على ما أضاء من الحق لهم ، فتركهم الله وخذلهم ، ومثّلهم إذ تركوا حظهم ، وما أنار من الحق عندهم بمن استوقد نارا ، فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم. فكان الذي شبهه بضوء النار هو الهدى الذي أخرجه الله لهم ، وامتن به عليهم ، فتركوه ولم يتبعوه ، ولم يستضيئوا بنوره وناصبوه وعاندوه ، لا ما يقول الحسن بن محمد أن الله سبحانه فعل ذلك بهم ، وجعلهم عن استماع الحق صما وعميا ، وعن قبول الصدق حاجزا (٣٧٥) ، فجهل الفرق بين المثل والفعل. وكيف يجعلهم الله كذلك ، ويخلقهم على ذلك ، ثم يرسل إليهم نبيه يدعوهم إلى الهدى ويخرجهم من الحيرة والعمى ، وهم عن الخروج ممنوعون ، وعن الدخول في الحق مصروفون؟ فالله سبحانه إذا أرسله يدعوهم إلى الخروج عما فيه أدخلهم وعليه ـ جل وعز عن ذلك ـ جبلهم!! فنسبوا في ذلك إلى الله الاستهزاء واللعب والإعماء والجهالة
__________________
(٣٧٥) هكذا في الأصل.