شَيْءٍ) [الأنعام : ٣٨] ، ويقول سبحانه : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل : ٨٩] ، وكأن لم يسمعوا قوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [العنكبوت : ٥١] ، فأخبر سبحانه بقوله : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) ، أن فيما نزل من تبيانه ونوره وبرهانه كفاية لهم ، في كل ما افترض عليهم ، ولو كان ترك شيئا مما يحتاجون إليه لم ينزله على نبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم في القرآن وعلى لسان جبريل ، لم يقل : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ) ، فدل بما شهد به من الكفاية لهم على أنه لم يكل نبيهم صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى استخراج شيء مما افترض عليهم وعليه ، وأنه لم يترك شيئا من فرائضه ، ولا شرائع دينه إلا وقد أوحى به إلى رسوله وحيا ، ونزل عليه به نورا وهدى ، فلم يكف هذه الأمة ما نزل الله فيما ذكرنا من الحجة حتى قالت : إن كل فرع مفرع مما فرعه رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم هو منه اختيارا وتمييزا من نفسه ، وإن ذلك ليس هو من ربه ، من ذلك ما قال الله سبحانه في الصلاة الموجبة ، والزكاة المفترضة ، حين يقول : (فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ) [المجادلة : ١٣] فزعمت هذه الأمة فيما ذكرت ، وبه على الله سبحانه اجترأت ، أو من قال بذلك منها ، أنه لم يكن من الله جل جلاله ، وعظم عن كل شأن شأنه في الصلاة غير ما أمر به من إقامتها ، وأنه لم يحد لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم شيئا من حدودها ، ولم يوقفه على ما به كمالها من ركوعها وسجودها وعدد ركعاتها ، وأن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم اخترع ذلك من نفسه ، وسنه لأمته ، وجعله دينا لها من ذاته (٤٥٣) ، وأن شرائع الزكوات وما به تجب الزكوات في الأوقات المفروضات الموقتات ، وما يؤخذ من الأموال الصامتة ، والأنعام السائمة ، والأطعمات ، وما يجب في التجارات من الأعشار وأنصافها ، وما حدد في ذلك كله من الحدود المعروفة ، وأوقف عليه في كل ذلك من الأفعال المفهومة ، من رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لا من الله ، وأن ذلك شيء فعله برأيه ، واختاره بتمييزه ، وفعله باجتهاده ، وفرضه على أمته دون خالق المخلوقين وإله العالمين ،
__________________
(٤٥٣) في (أ) : من دابه.