وتعالى فيه من فروضه وحدوده عند الله سبحانه معلوما ، لم تزد بعثة محمد ولا إيجاده في حدود الإسلام وما علمه الله من فرائض دين محمد عليهالسلام شيئا ، بل جاءت وكانت وافترضت وبانت بعد بعثة محمد على الأصل الذي كان عند الله معلوما ، الذي اختاره على الأديان كلها لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم ولأمته؟
فيقال له عند إتيانه بما ذكرنا وتبينه (٤٦١) لما قلنا وشرحنا : أيها المناظر إذا كان عندك هذا القول على ما قلت ، فمن أين علم محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم جميع ذلك حتى استخرج مكنون علم الله القديم وشرائع دين الله الكريم ، حتى أتى (٤٦٢) بها على ما كانت ، وبيّنها على ما فرضت ، وأقامها على ما حددت من قبل إيجاده وخلقه ، وكينونته وبعثته؟
فإن قال : استخرجها رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بعقله ، واستدل عليها بلبّه.
قيل له : سبحان الله ما أجهل هذا المقال ، وأفحش هذا الفعال! وكيف يستدل بعقل على علم غيب عند الله مكتوم ، هذا ما لا يكون أبدا ، إذ المخلوقون لا يعلمون غيبا ، ولا يفهمون (٤٦٣) مما استسر به سرا.
وإن قال : علمه بتوفيق الله.
قيل له : ليس هذا مما يلزمه التوفيق ، ولا يجوز عليه فيه طرف من التحقيق ، لما فيه من عظيم فروض الله ، وجليل صنع الله وأمره ونهيه وزجره وفعله وما أوجب به وفيه وعليه من الثواب للمطيعين ، والعقاب على العاصين. وإنما يكون من الله التوفيق في غير المفروضات من الأمور ، فأما شرائع الدين ، وما تعبد به المسلمين فلا يكون إلا بتبليغ الرسل ، والاحتجاج بذلك على جميع الملل ، فلا تجد بدا من الإقرار بالحق ، والتعلق بعلائق الصدق ، والرجوع إلى قول المؤمنين ، أو أن يثبت على باطله من بعد إثبات الحجة عليه في مذهبه ، فيكون عند نفسه وعند غيره مكابرا ، وللحجج البالغة مناصبا ، ولا يجوز له في دينه
__________________
(٤٦١) في (ب) : وتثبيته.
(٤٦٢) في (ج) : حتى أبانها.
(٤٦٣) في (ب) : ولا يفقهون.