احتجاج ولا بيان ، ولا يجد على الباطل بحمد الله عونا ولا برهان.
فإذا بان له خطأ هذين المعنيين ، وفساد هذين الوجهين ، لم يجد بدا من أن يقول بقولنا ، فيزعم أن جميع ذلك من الله سبحانه وحي أوحاه إلى نبيه على لسان ملكه كما أوحى القرآن على لسانه ، ولعمري ما سبيل أصول الأحكام ، وما تعبد الله به أمة محمد عليهالسلام إلا كفرعها ، ولا فروعها إلا كأصولها ، وما أصولها وإن جاءت في الكتاب مجملة بأوكد فرضا من فروعها المتفرعة ، وما كان محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم إلى علم مجملها بأحوج منه إلى علم فروعها ؛ لأن الفروع هي العمل ، والعمل فهو الإيمان ؛ لأن الإيمان كما قال أمير المؤمنين : «قول مقول وعمل معمول وعرفان بالعقول» ، والفروع فهي أصول الأعمال ، وأصول الإيمان ، وإذا كان ذلك كذلك فلا بد أن سبيلها عند الله كسبيل ما أجمل الله في القرآن ، لا تختلف معنى الفروع والأصول إلا عند من سلب العقول.
ومن الحجة على ما به قلنا من أن الله سبحانه نزل الفروع على نبينا كما نزل الأصول في كتابنا قول الله سبحانه : (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) [الشورى : ٥٢] ، فأخبره أنه لم يكن يدري ما هذا الكتاب المجمل ، ولا هذه الفروع التي هي الإيمان المنزل. وفي ذلك ما يقول : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) [الضحى : ٧] يريد تبارك وتعالى ضالا عن شرائع الدين ، وفروع ما أجمل في القرآن المبين ، فلم يكن صلىاللهعليهوآلهوسلم يدري كم يصلي الظهر ، ولا كم عدد العصر ، ولا كم يأخذ من أموال الناس المسلمين من الزكاة ، ولا كم فرض الله عزوجل فيها ، ولا متى تجب ، ولا في كم تجب ، بل كان ضالا عن ذلك كله ، وضلاله عنه فهو جهله به وقلة معرفته بما يريد الله أن يفترض عليه ، فلم يكن عليهالسلام يعلم من ذلك إلا ما علمه ، ولم يفرض على الأمة إلا ما به أمر ، ولم يكن من المتكلفين ، ولا من غير ما أمر به من المتكلفين (٤٦٤)
__________________
(٤٦٤) في هامش (أ) : ولا لغير ما أمر به من المتكلفين. (ظنا).