مما حفظنا عنه أنه قال : إن رجلا كان يقال له بلعام بن باعورا الحوباني ، وكان عالما بالغا في العلم ، قد قرأ الصحف الاولى ، وكان معه أسماء الله تعالى وكان يدعو بها (٥٣٨) بنية فتجاب دعوته ، وكانت بنوا إسرائيل قد عظمته ، وذلك في زمان موسى عليهالسلام وجعلوه لهم ربانيا ، وجبوا إليه. فكانوا إذا قحطوا أو نالهم مكروه أتوه ، فدعا لهم بأسماء الله سبحانه فتجاب دعوته ، وذلك قبل موسى ، فلما أدرك نبوة موسى وسمع خبره أدركه الحسد والنكد ؛ فقال : هذا يزيح مرتبتي ورئاستي. فأتاه العدو فقالوا له : ادع لنا على موسى بن عمران. فأجابهم إلى ذلك ، فلما ركب أتانا له يريد أن يدعوا لهم عليه بمكان مجتمعهم كلمته الأتان ، فقالت : أتدعو على نبي الله؟! إنك من الغاوين. فرجع وقال : لست أدعوا عليه ، ولكني أحتال لكم عليه وعلى أصحابه بحيلة يكون الظفر لكم عليهم والغلب. أشير عليكم أن تهادنوه وتعدوه أن تطيعوه وتسلموا له ، فإذا فعلتم ذلك أرسلتم النساء البغايا إلى عسكره متزينات متعطرات ، كأنهن يبايعن ويشارين في عسكره ، فإن عسكره يصيبون المعاصي ويفسد إيمانهم بمواقعتهم المعاصي ، فيرفع عنهم النصر ، ويستحقون بالمعصية الخذلان ، ولا تثبت أقدامهم عند اللقاء فيهتزمون عنكم. ففعلوا ما أمرهم به حتى نفذت حيلته ومكره فيهم ، ونسي ما وعظ به ، وأدركه الحسد والبغي الراجع عليه وباله.
ثم إن موسى عليهالسلام قاتل ثلاثة أيام بعد انقضاء الهدنة ، ومباينتهم له وبدوهم بالحرب لما نفذت مكيدتهم ، فكل ما لقي أصحاب موسى العدو لم تثبت أقدامهم وانهد جيشهم ؛ فيصيح موسى : عطاف! فلا يعطف أحد. فأقام ثلاثا على هذا الحال ، ثم قال : أنا نبي الله وكليمه لقد عصيتم ، وهبط إليه الوحي : أن ائت خباء من أخبية أصحابك فانظر ما فيه. فلما أتى الخباء إذا فاسق على فاسقة ، فطعنهما بحربته ، فشكهما جميعا وهما على قبيح فعلهما ، ورفعهما وصاح ، وكان صيّتا شديد القلب ، شديد القوة : يا بني إسرائيل هذا الفعل الذي يقلبكم على أعقابكم عند القتال (٥٣٩) ، وشالهما حتى نظر
__________________
(٥٣٨) زيادة من (ج).
(٥٣٩) في (ج) : اللقاء.