العسكر إليهما وهو يهزهما ، وهو حديد عجل الكلام قد أزيد على بني إسرائيل أسفا وغيظا وغيرة على من عصى الله ، وشدة في ذات الله عزوجل ، فلما رأت ذلك بنوا إسرائيل اجتمعوا إليه وقالوا : نجدد البيعة ، والعهد لله ، ونصح التوبة. فاصطفوا للصلاة والدعاء ، وبسط نبي الله كساه ، وكان لهم دليلا على قبول توبتهم أن تجتمع فيه ألوان شتى ، فيعلمون أن قد قبلت توبتهم.
في سحر يوم الجمعة عند انفلاق الفجر أمر موسى بالبوق فنفخ ، وهو أول من أحدث أبواق الصفر ؛ وذلك أن عساكره شكوا إليه أنهم لا يشعرون بحركته فألهمه الله لأبواق الصفر ، وقيل والجباجب (٥٤٠) أيضا ، ثم سار موسى صلى الله عليه بهم واصطفوا بعد التوبة للقتال فثبتت أقدامهم ، وانقلب العدو على أعقابهم مدبرين ، فمنح الله أكتافهم ، وغلب جند الله كما قال سبحانه : (وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) [الصافات : ١٧٣]. فلما دخل عليهالسلام القرية انبعث إليه بلعام بن باعورا وهو دالع لسانه ، قد ختم على فيه من الكلام وهو يلهث كما يلهث الكلب ، والخلائق ينظرون كيف غيّر أمر الله فغير الله به. فأقام عبرة ومنظرة للعالمين أياما على حاله ، ثم قضى عليه الموت فذكر الله ذلك لنبينا محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم فقال : (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطانُ فَكانَ مِنَ الْغاوِينَ وَلَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها وَلكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَواهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الأعراف : ١٧٥].
قال القوم : فعلمنا أن الهادي رحمة الله عليه قد أزكن (٥٤١) أن انقلابنا على أعقابنا تلك العشية كان لسوء فعلنا.
__________________
(٥٤٠) الطبل.
(٥٤١) الزكن : ظن بمنزله اليقين عندك ، أو طرف من الظن. القاموس.